قال الحليمي: وهذا الحديث يحتمل أن يكون إنكار من النبي ﷺ على التي قطعت بأن الصبي في الجنة، لأن القطع بذلك قطع بإيمان أبويه، وقد يحتمل أن يكونا منافقين فيكون الصبي ابن كافرين، فيخرج هذا على قول من يقول: قد يجوز أن يكون ولدان المشركين في النار. وقد يحتمل أن يكون أنكر ذلك لأنه لم يكن أنزل عليه في ولدان المسلمين شيء ثم أنزل عليه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: ٢١] وقد قرئ: «وأتبعناهم ذريتهم» فأخبر تعالى أن الذين آمنوا في الحياة الدنيا جعل ذرياتهم أتباعهم في الإيمان، وأنه يلحق بهم ذرياتهم في الآخرة، فثبت بذلك أن ذراري المسلمين في الجنة، وقال النبي ﷺ:
«سألت ربي أن يريني أهل الجنة وأهل النار فجاءني جبريل وميكائيل ﵉ في النوم فقالا: انطلق يا أبا القاسم، إلى أن قال: وأنا أسمع لغط الصبيان، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هم ذرية أهل الإسلام الذين يموتون قبل آبائهم، يكفل بهم إبراهيم ﵇ حتى يلحق آباؤهم»(١). فدل أنهم في الجنة.
قال المؤلف ﵀: الحديث الذي احتجوا به خرّجه أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن يحيى بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ:«أتي بصبي من الأنصار ليصلّى عليه فقلت: يا رسول الله؛ طوبى له عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءا قط ولم يدره». فقال:
«يا عائشة؛ أولا تدرين أن الله ﵎ خلق الجنة وخلق لها أهلا، وخلق النار وخلق لها أهلا، وهم في أصلاب آبائهم»(٢).
وقالت طائفة: أولاد المسلمين في الجنة وأولاد المشركين في النار، واحتجّوا بما ذكرناه من الآية والحديث؛ بحديث سلمة بن يزيد الجعفي، قال:
أتيت النبي ﷺ أنا وأخي، فقلنا: يا رسول الله إن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وتصوم، وتفعل وتفعل، فهل ينفعها من عملها ذلك شيء؟ قال:«لا» قال: فقلنا إن أمنا وأدت أختا لنا في الجاهلية، لم تبلغ الحنث، فهل ذلك نافع أختنا، فقال رسول الله ﷺ:«أرأيتم الوائدة والموءودة؛ فإنهما في النار، إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها»(٣).
(١) أخرجه نحو منه: الطبراني في «الكبير» (٨ /رقم: ٧٦٦٦، ٧٦٦٧) وغيره. (٢) أخرجه الطيالسي (١٥٧٤). (٣) أخرجه أحمد (٣/ ٤٧٨) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٤/ ٧٢ - ٧٣) والطبراني في «المعجم الكبير» (٧ /رقم: ٦٣١٩، ٦٣٢٠) وإسناده صحيح كما قال الألباني في «المشكاة» (١/ ٤٠).