وقولُه:(لِتَنتفِعُوا به وتَعتبرُوا): يشير إلى ما تدلُّ عليه اللام في قوله: {لَكُمْ} من الامتنان بما خلقَه الله في الأرض من النعم لمصلحة العباد.
وقولُه:(بعد خلقِ الأرضِ أي: قصدَ): هذا بيانٌ لمعنى قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}، وأنَّ ذلك بعد خلق الأرض كما تدلُّ عليه الآيات في سورة فصلت، وفسَّر المؤلِّف:{اسْتَوَىْ} بقَصَدَ، وهو معنى قول بعضهم: عمدَ، وهو معنى صحيح (١)، والأَولى: تفسيرُه بصعد (٢)؛ لأنَّ كلًّا منهما يتعدى بـ «إلى».
وقولُه:(الضميرُ يرجعُ إلى السماء): يريد ضمير جمع المؤنث «هُنَّ»، يقول: يرجع إلى السماء، وهو مفرد، فعَوْدُ الضمير إليها بلفظ الجمع باعتبار ما هي صائرةٌ إليه، وهو كونها سبعَ سموات، وأصل معنى السماء: العُلُو من سماء يسمو (٣)، وكانت السماء دخانًا كما في آية فصلت:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهْيَ دُخَانٌ}[فصلت: ١١]، قال المفسِرون: وهذا الدخان هو بخارُ الماء الذي عليه العرش (٤)، فسوَّى الله من هذه السماء سبعَ سماوات، كما قال في سورة
(١) قاله: الفراء وابن كيسان وابن قتيبة، واختاره: ابن كثير والسعدي. ينظر: «معاني القرآن» للفراء (١/ ٢٥)، و «معاني القرآن» للزجاج (١/ ١٠٧)، و «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص ٤٥)، و «تفسير ابن كثير» (١/ ٢١٣)، و «تفسير السعدي» (١/ ٥٢ - ٥٣). وتفسير الاستواء هنا بالقصد ليس من التحريف المذموم؛ فإن {اسْتَوَى} ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها: الكمال والتمام، كما في قوله عن موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}، وتارة تكون بمعنى «علا وارتفع»، وذلك إذا عديت بـ «على» كما في قوله تعالى: {ثم استوى على العرش}، {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}، وتارة تكون بمعنى «قصد»، كما إذا عديت بـ «إلى» كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض، قصد إلى خلق السماوات. ينظر: «تفسير السعدي» (١/ ٥٢ - ٥٣)، (١/ ٢٢ - ٢٣). (٢) قال البغوي: قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: «أي: ارتفع إلى السماء»، واختاره الطبري. ينظر: «تفسير الطبري» (١/ ٤٥٦) (١/ ٤٥٧)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ٧٥ رقم ٣٠٨)، و «تفسير البغوي» (١/ ٧٨). (٣) تقدَّم (ص ٥٩). (٤) روي بنحوه عن وهب بن منبه. ينظر: «تفسير الطبري» (١٢/ ٣٣٤)، و «زاد المسير» (٤/ ٤٧).