أَزْوَاجًا}؛ يعني: زوجات كنَّ له نساءً في حياته، بنكاحٍ لا مِلكَ يَمين»، قال:«ثم صرفَ الخبرَ عن ذكر مَنْ ابتدأ الخبرُ بذكره إلى الخبر بذكر أَزواجهم»، قال:«ثم قال تعالى ذِكرُه: {وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم}، فاختلفت القُّراءُ في قراءة ذلك، فقرأَ بعضُهم:{وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم} بنصب الوصيةِ؛ بمعنى: فليُوصوا وصيةً لأَزواجهم، أَوْ عليهم أَنْ يوصوا وصيةً لأَزواجهم، وقرأ آخرون:{وَصِيَّةٌ لِأَزْوَاجِهِمْ} برفع الوصية»(١)، قال:«ثم اختلف النحويون في وجه الرفع فقال بعضُهم: رفعت بمعنى: كتبت عليهم الوصية، واستدلَّ لذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود»(٢)، قال:«فتأويلُ الكلامِ على ما قاله هذا القائل: والذين يُتوفَّون منكم ويذرون أزواجًا كتبت عليهم وصية لأَزواجهم، ثم ترك ذكر «كتبت» ورفعت الوصية بذلك المعنى وإن كان متروكًا ذكره».
قلت: فمعنى هذا الكلام أَنَّ وصيةً مرفوعةٌ بفعلٍ محذوفٍ؛ تقديرُه: كتبت عليهم وصية.
قال:«وقال آخرون منهم: بل الوصيةُ مرفوعةٌ بقوله: {لِّأَزْوَاجِهِم}، فتأول: لأَزواجهم وصية». قلت: وحاصلُ الوجهين في رفع وصية أَنها نائبُ فاعل للفعل المحذوف «كتبت»، أَوْ أَنها مبتدأٌ وخبرُه {لِّأَزْوَاجِهِم} على التقديم والتأخير، وهو معنى قوله:«فتأول: لأزواجهم وصية»؛ لأَنَّ النكرةَ لا يُبتدأُ بها.
قال:«والقولُ الأَوَّلُ أَولى بالصواب في ذلك، وهو أَنْ تكون الوصيةُ إذا رُفعت مرفوعة بمعنى: كتبتُ عليهم وصيةً لأَزواجهم»، قال: «وأَولى القراءتين
(١) قرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر وحفص عن عاصم: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} نصبًا، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي: {وَصِيَّةٌ لِأَزْوَاجِهِمْ} بالرفع. ينظر: «السبعة في القراءات» (ص ١٧٤)، و «النشر» (٢/ ٢٢٨). (٢) عزاها لابن مسعود غير واحد بألفاظ مختلفة، وهي قراءة شاذة. ينظر: «مختصر في شواذ القرآن» لابن خالويه (ص ٢٢)، و «معاني القرآن» للفراء (١/ ١٥٦)، و «الكشاف» (١/ ٤٦٩)، و «البحر المحيط» (٢/ ٥٥٣).