وفي قوله تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ} ردٌّ لنفي في قولهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، فالمعنى: بل يدخلُها {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}، و {مَنْ} شرطيةٌ، وجوابُ الشرط قوله:{فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}.
{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا} جمعُ هائدٍ {أَوْ نَصَارَى} قال ذلك يهودُ المدينة ونصارى نجران لَمَّا تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي قال اليهود: لن يدخلَها إلَّا اليهود. وقال النصارى: لن يدخلَها إلَّا النصارى {تِلْكَ} القولة {أَمَانِيُّهمْ} شهواتهم الباطلة {قُلْ} لهم {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} حجَّتَكم على ذلك {إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فيه. {بَلَى} يدخلُ الجنةَ غيرهم {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهه لِلَّهِ} أي انقاد لأمره، وخُصَّ الوجهُ لأنه أشرفُ الأعضاء فغيره أولى {وَهْوَ مُحْسِن} موحِّدٌ {فَلَهُ أَجْرُه عِنْد رَبّه} أي: ثواب عمله الجنة {وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} في الآخرة.
وقولُ المؤلِّف:(جمعُ هائدٍ): يُبيِّنُ بهذا أنَّ هودًا جمعُ هائدٍ لا مفرد، ونظيرُه: عُوذ جمع عائذ (١).
وقولُه:(قال ذلك يهودُ المدينة … ) إلى آخره: يُبيِّنُ أنَّ الآية نزلت على سبب، وهو ما ذكره من القصة (٢).
(١) ينظر: «معاني القرآن» للفراء (١/ ٧٣)، و «تفسير الطبري» (٢/ ٤٢٨). (٢) أخرج القصة الطبري (٢/ ٤٣٤ - ٤٣٥) لكن في سبب نزول آية: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}]، وأوردها في سبب نزول هذه الآية: السمعاني في تفسيره (١/ ١٢٧)، وابن الجوزي في «زاد المسير» (١/ ١٠٢)، وأبو حيان في «البحر المحيط» (١/ ٥٦١).