القَصْدِ أَوِ الغَايَةِ؛ فَوَسَائِلُ المَشْرُوعُ مَشْرُوعَةٌ، فَالبِدْعَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِيمَا قُصِدَ لِذَاتِهِ، أَمَّا مَا كَانَ وَسِيلَةً لِغَيرِهِ فَلَا، وَالوَسَائِلُ لَهَا أَحْكَامُ المَقَاصِدِ" (١).
وَنَضْرِبُ لَهَا مِثَالًا وَاحِدًا فَقَط وَهُوَ جَمْعُ القُرْآنِ، فَقَدْ جُمِعَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالعُلَمَاءُ أَجْمَعُوا -مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُم- أَنَّ جَمْعَ القُرْآنِ مِنَ الوَاجِبَاتِ العَظِيمَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَقُومَ بِهَا الأُمَّةُ، وَلَكِنَّنَا نُلَاحِظُ فِي هَذَا أُمُورًا:
أ- هَذَا الجَمْعُ نَفْسُهُ لَيسَ مِنْ بَابِ التَّدَيُّنِ بِذَلِكَ.
وَتَأَمَّلْ كَيفَ اسْتَثْقَلَ زَيدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَمْعَ المُصْحَفِ، فَقَالَ: " فَوَاللهِ لَو كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ؛ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ" (٢)، فَلَو كَانَتْ عِبَادَةً عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ الجَمْعِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَلِكَ القَولُ!
ب- لَمْ يَكُنِ المُقْتَضِي لِذَلِكَ قَائِمًا؛ لِأَنَّ الوَحْيَ لَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدُ.
ج- أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى حِفْظِ القُرْآنِ مِنَ الضَّيَاعِ-كَمَا حَصَلَ مَعَ الأُمَمِ المَاضِيَةِ-.
فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ -بَابِ جَمْعِ القُرْآنِ- " أَنَّ حُذَيفَةَ بْنَ اليَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ -وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ العِرَاقِ-، فَأَفْزَعَ حُذَيفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي القِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلَافَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى" (٣)! فَتَأَمَّلْ كَونَ سَبَبِ الجَمْعِ هُوَ حِمَايَةُ القُرْآنِ مِنَ الضَّيَاعِ.
(١) التَّعْلِيقُ عَلَى القَوَاعِدِ الحِسَانِ (ص: ٥٢).(٢) صَحِيحُ البُخَارِيِّ (٤٩٨٦).(٣) صَحِيحُ البُخَارِيِّ (٤٩٨٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute