وَقَدْ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَهَا سِتُّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ.
- هَذَا الحَدِيثُ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمِ الَّتِي أُوتِيهَا المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كُلِّ بِدْعَةٍ وَكُلِّ مُخْتَرَعٍ فِي الدِّينِ، وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إِبْطَالِ جَمِيعِ العُقُودِ المَمْنُوعَةِ شَرْعًا، وَعَدَمِ وُجُودِ ثَمَرَاتِهَا، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الأُصُولِيِّينَ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الفَسَادَ (١).
- الرِّوَايَةُ الأُخْرَى لِلحَدِيثِ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدٌّ» صَرِيحَةٌ فِي تَرْكِ كُلِّ مُحْدَثَةٍ؛ سَوَاءً أَحْدَثَهَا فَاعِلُهَا أَو سُبِقَ إِلَيهَا.
- قَولُهُ: «فِي أَمْرِنَا»: أَي: فِي الدِّينِ، وَلَيسَ فِي الدُّنْيَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ:
١ - أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الحَدِيثِ «مَنْ أَحْدَثَ فِي دِينِنَا مَا لَيسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» كَمَا أَفَادَهُ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ (٢) (٣).
٢ - أَنَّ إِضَافَةَ الأَمْرِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَإِلى مَا جَاءَ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ لَا بِالدُّنْيَا.
٣ - أَنَّ الدُّنْيَا قَدْ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى إِبَاحَةِ التَّوَسُّعِ فِيهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ تَلْقِيحِ النَّخْلِ؛ وَأَنَّهُ قَالَ فِيهِ عَلِيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أنْتُمْ أعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْياكُمْ» (٤).
(١) شَرْحُ الأَرْبَعِينَ لِابْنِ دَقِيق العِيد (ص: ٤١).(٢) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ لابْنِ رَجَبٍ (١/ ١٧٦).(٣) وَعَزَاهُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (المَجْمُوعُ) (١/ ٤٦٤) إِلَى الصَّحِيحَينِ. وَرَوَاهُ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (شَرْحُ السُّنَّةِ) (١/ ٢١٢) بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ أَوجُهٍ".(٤) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (٢٣٦٣): بَابُ وُجُوبِ امْتِثَالِ مَا قَالَهُ شَرْعًا دُونَ مَا ذَكَرَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَعَايِشِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ الرَّاي، عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيضًا (٢٣٦١) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: "مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقَومٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟» فَقَالُوا: يُلَقِّحُونَهُ؛ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الأُنْثَى فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيئًا!»، قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ؛ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا؛ فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيئًا فَخُذُوا بِهِ؛ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute