عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى مُنْكَرِهِ.
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: " مَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ أَذًى لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ زَلَّةٌ؛ فَلَا بَاسَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الإِمَامَ، وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بِشَرٍّ أَو فَسَادٍ؛ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ أَحَدٌ، وَلَكِنْ يُتْرَكُ حَتَّى يُقَامَ عَلَيهِ الحَدُّ" (١).
- قَولُهُ: «سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»: بِأَلَّا يُعَاقِبَهُ عَلَى مَا فَرَّطَ بِهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَتَبَّعَ أَخَاهُ وَفَضَحَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَفْضَحُهُ، كَمَا فِي الحَدِيثِ «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ؛ لَا تَغْتَابُوا المُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَورَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَو فِي جَوفِ بَيتِهِ» (٢).
- قَولُهُ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا» هَذَا الطَّرِيقُ نَوعَانِ:
١ - طَرِيقٌ مَادِّيٌّ: وَهُوَ المَشْيُ بِالأَقْدَامِ إِلَى مَجَالِسِ العِلْمِ.
٢ - طَرِيقٌ مَعْنَوِيٌّ: كَالحِفْظِ وَالمُذَاكَرَةِ وَالمُطَالَعَةِ وَالتَّفَهُّمِ.
- قَولُهُ: «يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا»: أَي: يَطْلُبُ عِلْمًا شَرْعِيًّا قَاصِدًا بِهِ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنَّ يَكُونَ سَبَبُ طَلَبِهِ هُوَ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى؛ وَإِلَّا كَانَ وَبَالًا عَلَى صَاحِبِهِ!
وَفِي الحَدِيثِ «مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ العُلَمَاءَ، أَو لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ،
أَو لِيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيهِ؛ فَهُوَ في النَّارِ» (٣).
وَقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَإِنْ كَانَ هَذَا شَرْطًا فِي كُلِّ عِبَادَةٍ؛ لَكِنَّ عَادَةَ
(١) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ٢٩٣) بِتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ.
(٢) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٨٨٠) عَنِ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٧٩٨٤).
(٣) حَسَنٌ. ابْنُ مَاجَه (٢٥٣) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٢١٦٠).