الآخرَ، فلم يكن لُبْثي حتى وقفنا ببابلُ، فإذا أنا برجلين مُعلَّقَين بأرجلهما، فقالا: ما جاء بكِ؟ فقلتُ: أتعلَّمُ السِّحر؟ فقالا: إنما نحن فتنةٌ، فلا تَكفُري وارجعي، فأبيتُ وقلتُ: لا، قالا: فاذهبي إلى ذلك التَّنُّور فبُولِي فيه، فذهبت وفزعتُ، فلم أفعل، فرجعتُ إليهما فقالا لي فعلتِ؟ قلتُ: نعم، قالا: هل رأيتِ شيئًا؟ قلتُ: لم أَرَ شيئًا، فقالا: لم تفعلي ارجِعي إلى بلادِك ولا تَكفُري، فأبَيتُ، فقالا: اذهبي إلى ذلك التَّنُّور فبُولِي فيه، فذهبتُ فاقشعرَّ جلدي وخفتُ، ثم رجعتُ إليهما فقلتُ: قد فعلتُ، فقالا: فما رأيتِ؟ فقلتُ: لم أرَ شيئًا، فقالا: كذبتِ، لم تفعلي، ارجِعي إلى بلادك ولا تَكفُري، فإنَّكِ على رأسِ أمرِك فأبَيتُ، فقالا: اذهبي إلى ذلك التَّنُّور فبُولِي فيه، فذهبتُ فبُلْتُ فيه، فرأيتُ فارسًا متقنِّعًا بحديد، خرج منِّي حتى ذهب في السماء، فغابَ عني حتى ما أَراه فأتيتُهما، فقلتُ: قد فعلتُ، فقالا: فما رأيتِ؟ قلتُ: رأيتُ فارسًا متقنِّعًا بحديد خرج مني فذهب في السماء، فغاب عني حتى ما أَرى شيئًا، قالا: صدقتِ، ذلك إيمانُك خرج منكِ، اذهبي.
فقلتُ للمرأة: والله ما أعلمُ شيئًا، وما قالا لي شيئًا، فقالا (١): بلى إن تريديَن شيئًا إلَّا كان، خُذي هذا القمحَ فابذُري، فبَذَرتُ، فقلتُ: اطلَعِي، فَطَلَعَتْ، وقلتُ: أَحقِلي، فأحقَلَتْ (٢)، ثم قلتُ: أفرِخي، فأفرَخَتْ، ثم قلتُ: أيبِسي، فأيبسَتْ (٣)، ثم قلتُ: اطَّحِني، فاطَّحَنَتْ، ثم قلتُ: أَخبِزي، فأخبَزَت. فلمَّا رأيتُ أَنِّي لا أريدُ شيئًا إلَّا كان، سُقِطَ في يدي ونَدِمتُ واللهِ يا أمَّ المؤمنين ما فعلتُ شيئًا قطُّ، ولا أفعلُه أبدًا.
فسألتُ أصحابَ رسولِ الله ﷺ حداثة وفاةِ رسولِ الله ﷺ، وهم يومئذ متوافرون،
(١) كذا في نسخنا الخطية بعوَد الضمير على الملكين، والذي في مصادر التخريج: "فقالت" بعود الضمير على المرأة العجوز، وهو ظاهر السياق. (٢) في النسخ الخطية: فحقلت. (٣) في النسخ الخطية: فيبست.