تَهوْي إلى مكةَ تَبْغي الهُدى … ما صادقُ (١) الجنِّ ككَذَّابِها
فارحَلْ إلى الصَّفوةِ من هاشمٍ … بينَ زَواياها وحُجَّابِها
قال: فلم أرفَعْ بقوله رأسًا، فلما أن كان الليلةُ الثالثة أتاني فضربَني برجلِه، وقال: ألم أقلُ لك يا سوادَ بنَ قارب: افهَمْ واعقِلْ إن كنتَ تَعقِل (٢)؟! أنه قد بُعث رسولُ الله من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادتِه، ثم أنشأَ يقول:
تَهوِي إلى مكةَ تَبْغي الهُدَى … ما مُؤمنو الجنِّ ككفَّارِها
فارحَلْ إلى الصَّفوةِ من هاشمٍ … ليس قُدَامَاها كأدبارِها
قال: فوقع في نفسي حبُّ الإسلام ورغبتُ فيه، فلما أصبحتُ شَدَدتُ على راحلتي فانطلقت متوجهًا إلى مكة، فلما كنتُ في بعض الطريق أُخبرتُ أنَّ النبيَّ ﷺ قد هاجر إلى المدينة، فأتيتُ المدينة فسألتُ عن النبيِّ ﷺ، فقيل لي: في المسجد، فانتهيتُ إلى المسجد، فعَقَلتُ ناقتي ودخلتُ، وإذا رسولُ الله ﷺ والناسُ حولَه، فقلتُ: اسمع مَقَالتي يا رسولَ الله، فقال أبو بكر: ادُنْه، فلم يَزَلْ حتى صِرتُ بين يديه، قال:"هاتِ، فأخبِرْني بإتيانِك رَئيُّك" فقلتُ:
أتاني نَجِيِّي (٣) بعد هَدْءٍ ورَقْدةٍ … ولم يكُ فيما قد بَلَوتُ بكاذبِ
ثلاثَ ليالٍ قولُه كلَّ ليلةٍ … أتاك رسولٌ من لؤيِّ بن غالبِ
فأشهدُ أنَّ الله لا ربَّ غيرُهُ … وأنَّك مأمونٌ على كلِّ غائبِ
وأنَّك أدنَى المُرسلينَ وَسيلةً … إلى الله يا ابنَ الأكرمينَ الأطايبِ
(١) في نسخنا الخطية: صدق، والمثبت من مصادر التخريج. (٢) المثبت من (م) و (ب)، وفي (ص): افهم إن كنت تفهم، واعقل إن كنت تعقل. (٣) المثبت من (ب)، وفي (م) و (ص): بحق.