رأيته هربتُ منه، فقال: أبا محمدٍ! فقلت: لبَّيْكَ، قال: ما لك؟ قلت: الخوفُ، قال: لا خوفَ عليك، تعالَ (١) أنت آمنٌ بأمان الله ﷿، فرجعتُ إليه، فسلَّمتُ عليه، فقال: اذهَبْ إلى منزلك، قلت: هل لي سبيلٌ إلى منزلي، والله ما أُراني أَصِلُ إلى بيتي حيًّا حتَّى أُلفَى فأُقتَل، أو يُدخَلَ عليَّ منزلي فأُقتل، وإنَّ عِيالي لفي مواضِعَ شتَّى، قال: فاجمَعْ عيالَك في موضع، وأنا أبلُغُ معك إلى منزلك، فبَلَغَ معي، وجعل يُنادي: إِنَّ حُويطبًا آمنٌ فلا يُهَجْ، ثم انصرف أبو ذرٍّ إلى رسول الله ﷺ فأخبره، فقال:"أوليسَ قد آمَنَ الناسُ كلُّهم إلَّا من أَمرتُ بقتلِهم؟ ".
قال: فاطمأننتُ ورَدَدتُ عِيالي إلى منازلهم، وعاد إليَّ أبو ذر، فقال لي: يا أبا محمد، حتَّى متى (٢) وإلى متى؟! قد سُبقتَ في المواطن كلها، وفاتَكَ خيرٌ كثيرٌ وبقي خيرٌ كثير، فأتِ رسولَ الله ﷺ فأسلِمْ تَسلَمْ، ورسولُ الله ﷺ أبرُّ الناسِ وأوصلُ الناس وأحلمُ الناس، شَرَفُه شرفُك، وعِزُّه عزُّك، قال: قلت: فأنا أخرجُ معك فآتِيهِ، فخرجتُ معه حتَّى أتيتُ رسولَ الله ﷺ بالبطحاءِ وعنده أبو بكر وعمر، فوقفتُ على رأسه وسألتُ أبا ذرٍّ: كيف يقال إذا سُلِّمَ عليه؟ قال: قل: السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، فقلتُها، فقال:"وعليكَ السلام حُويطِبُ". فقلت: أشهدُ أن لا إله إلَّا الله، وأنك رسولُ الله، فقال رسول الله:"الحمدُ لله الذي هَدَاك"، قال: وسُرَّ رسولُ الله ﷺ بإسلامي، واستقرَضَني مالًا فأقرضتُه أربعينَ ألفَ درهمٍ، وشَهِدتُ معه حُنينًا والطائفَ، وأعطاني من غنائم حُنينٍ مئةَ بعير (٣).
(١) تحرَّف في نسخنا الخطية: إلى فقال، والتصويب من مصادر التخريج. (٢) في (ز) و (ب): حتَّى ومتى، وقوله: "ومتى" سقط من (م) و (ص)، والمثبت من المصادر. (٣) إسناده ضعيف تفرَّد به الواقدي، وله فيه إسنادان: الأول: إبراهيم بن جعفر عن أبيه، وهما صالحان إلّا أنَّ فيه مظنة الانقطاع كسابقه، والثاني: ابن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن المنذر بن جهم، وهذا إسناد تالف، عدا أن فيه الواقدي، فابن أبي سبرة متروك واتهمه أحمد بالكذب، والمنذر بن جهم مجهول. =