أُفلِتُ منه؛ أجَرْتُ حَمَوينِ لي من المشركين، فتفلَّتَ عليهما ليقتُلَهما، فقال رسول الله ﷺ:"ما كان ذلك له، قد أَجَرْنا مَن أجرتِ، وأَمَّنا مَن أُمَّنْتِ" فرجعتْ إليهما فأخبرتْهُما، فانصرفا إلى منازِلهما، فقيل لرسول الله ﷺ: الحارثُ بنُ هشام وعبد الله بنُ أبي رَبيعة جالسان في نادِيهِما مُفتَضِلَين (١) في المُلاء المزَعْفَر، فقال رسول الله ﷺ:"لا سبيلَ إليهما، قد أمَّناهما". قال الحارث بن هشام: وجعلتُ استَحْيي أن يَراني رسولُ الله ﷺ وأُنكِرُ رؤيتَه إيّاي في كل مَوطِن مع المشركين، ثم أذكر بِرَّه ورحمته، فألقاهُ وهو داخلٌ المسجدَ فتلَقَّاني بالبِشْر، ووقف حتى جئتُه، فسلَّمتُ عليه وشَهِدتُ شهادةَ الحقِّ، فقال:"الحمدُ لله الذي هداك، ما كان مِثلُك يَجهَلُ الإسلامَ". قال الحارث: فوالله ما رأيتُ مثلَ الإسلامِ جُهِلَ (٢).
٥٢٩٢/ ١ - قال ابن عمر: وحدثني الضّحّاك بن عثمان، أخبرني عبد الله بن عُبيد بن عُمير، سمعت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدِّث عن أبيه، قال: رأيتُ رسول الله ﷺ في حَجَّته وهو واقفٌ على راحلتِه، وهو يقول: "والله إنك لخَيرُ الأرض،
(١) المثبت من (م)، واضطربت بقية النسخ في رسمه. يقال: تفضَّل: إذا خالف اللابس بين أطراف ثوبيه على عاتقِه، أو لبس ثوبًا واحدًا. وتَفعَّل وافتعل يتناوبان مثل استمع تسمَّع، وادَّهن وتدهَّن. (٢) وهو في "الطبقات الكبرى" ٦/ ٨٣ - ومن طريقه أخرجه ابن عساكر ١١/ ٤٩٥ - ٤٩٦ - عن محمد بن عمر الواقدي، به. وسَلِيط بن مُسلم لم يرو عنه غير الواقدي والقعنبي، ونسبه الواقدي إلى عامر بن لؤي، وشيخه عبد الله بن عكرمة - وهو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - من أتباع التابعين، فالخبر معضل، لكن للواقدي في قصة الجوار إسناد آخر متصل ذكره في "مغازيه" ٢/ ٨٣٠، ومن طريقه أخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" ٢/ ١٦١ - ١٦٢، وتابعه عليه جماعةٌ عند أحمد ٤٤/ (٢٦٨٩٢)، و ٤٥ / (٢٧٣٨٠)، والنسائي (٨٦٣١)، لكنه لم يقع في رواياتهم قصةُ إسلام الحارث بن هشام. وأصلُ قصّة إجارة أم هانئ في "الصحيحين" "صحيح البخاري" (٣٥٧)، و "صحيح مسلم" (٧١٩) (٨٢)، لكن بذكر إجارة رجلٍ واحدٍ غيرهما. وانظر كلام ابن حجر في "فتح الباري" ٢/ ٢٢٧.