معاذٍ يدعُوه، فجاء ومعَه غُرماؤه، فقالوا: يا رسول الله، خذ لنا حَقَّنا منه، فقال رسول الله ﷺ:"رَحِمَ اللهُ مَن تَصدَّق عليه" فتصدَّق عليه ناسٌ وأبى آخرون، وقالوا: يا رسول الله، خذ لنا بحقِّنا منه، قال رسول الله ﷺ:"اصبر لهم يا مُعَاذُ" قال: فخَلَعه رسولُ الله ﷺ من ماله فدفعه إلى غُرمائه، فاقتَسَمُوه بينهم، فأصابهم خمسةُ أسباع حقوقِهم، قالوا: يا رسول الله، بِعْه لنا، قال رسول الله ﷺ:"خَلُّوا عنه، فليس لكم عليه سَبيلٌ"، فانصرفَ مُعاذٌ إلى بني سَلِمَة، فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن، لو سألتَ رسولَ الله ﷺ، فقد أصبحت اليوم مُعدِمًا، فقال: ما كنتُ لِأسألَه، قال: فمَكَثَ أيامًا، ثم دَعاهُ رسولُ الله ﷺ فبعثَه إلى اليَمَن، وقال:"لعلَّ اللَّهَ أَن يَجْبُرَكَ ويُؤدَّيَ عنك دَيْنَك". قال: فخرج معاذٌ إلى اليمن، فلم يَزَلْ بها حتى تُوفِّي رسولُ الله ﷺ، فوافَى السنةَ التي حَجَّ فيها عمرُ بنُ الخطاب مكةَ فاستعملَه أبو بكر على الحَجِّ، فالتقَيا يومَ التَّرْوية بها، فاعتَنَقا وعَزّى كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه برسولِ الله ﷺ، ثم أخْلَدا إلى الأرض يَتحدَّثانِ، فرأى عمرُ عند مُعاذ غِلْمانًا، فقال: ما هؤلاء؟ ثم ذكر الأحرفَ التي ذكرتُها فيما تقدّم (١).
(١) صحيح لغيره، وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، فإنَّ محمد بن عمر - وهو الواقدي - يُكتب حديثه - يعني في المتابعات والشواهد - كما انتهى إليه الذهبي في "السير" ٩/ ٤٦٩، ومَن دُون الواقدي لا بأس بهم وهم بعضُ رواة كتب الواقدي كما تقدم بيانه برقم (٤٠٦٠)، ومن فوقه لا بأس بهم، وقد تقدَّم شاهده برقم (٥٢٧١). وأخرجه البيهقي ٦/ ٥٠ عن أبي عبد الله الحاكم، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن سعد في "طبقاته الكبرى" ٣/ ٥٤٣، ومن طريقه ابن عساكر في ٥٨/ ٤٣٠ - ٤٣١ عن محمد بن عمر الواقدي، به. وأخرجه مختصرًا ابن ماجه (٢٣٥٧) من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن سلمة المكي، عن جابر بن عبد الله: أنَّ رسول الله ﷺ خَلَعَ معاذ بن جبل من غرمائه، ثم استعمله على اليمن، فقال معاذ: إنَّ رسول الله ﷺ استخلصني بمالي، ثم استعملني. وعبد الله بن مسلم بن هرمز هذا ضعيف، لكن قال أبو حاتم: يُكتب حديثُه؛ يعني يُعتبر به في المتابعات والشواهد، =