من الخضر، فأحدها: أنه جعل نفسه تبعاً له، وثانيها: أن استأذن في إثبات هذا التبعية فإنه قال هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعاً لك وهذا مبالغة عظيمة في التواضع، وثالثها: أنه قال على أن: {تُعَلِّمَنِ} وهذا إقرار له على نفسه بالجهل وعلى أستاذه بالعلم، ورابعها: أنه قال: {مِمَّا عُلِّمْتَ} وصيغة من للتبعيض فطلب منه تعليم بعض ما علمه الله، وهذا أيضاً مشعر بالتواضع كأنه يقول له لا أطلب منك أن تجعلني مساوياً في العلم لك، بل أطلب منك أن تعطيني جزأً من أجزاء علمك، كما يطلب الفقير من الغني أن يدفع إليه جزأً من أجزاء ماله، وخامسها: أن قوله: {مِمَّا عُلِّمْتَ} اعتراف بأن الله علمه ذلك العلم، وسادسها: أن قوله: {رُشْدًا} طلب منه للإرشاد والهداية والإرشاد هو الأمر الذي لو لم يحصل لحصلت الغواية والضلال.
وسابعها: أن قوله: {تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} معناه أنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله الله به وفيه إشعار بأنه يكون إنعامك علي عند هذا التعليم شبيهاً بإنعام الله تعالى عليك في هذا التعليم ولهذا المعنى قيل أنا عبد من تعلمت منه حرفاً) (١)، وممن قال بذلك من المفسرين أيضاً: ابن عطية، والقرطبي، وأبو حيان، وأبو السعود، والألوسي، والشوكاني. (٢)