القول عن ابن عباس، [ثم قال](١): {لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ}(يعني معذرتهم حين يسألون عن آلهتهم {إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ})(٢).
وقال أبو إسحاق:(تأويل هذه الآية تأويل حسن في اللغة لطيف، لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام وتصرف العرب في ذلك، وذلك أن الله تعالى ذكر في هذه الأقاصيص التي جرت [من] (٣) أمر المشركين، وأنهم مفتنون بشركهم، ثم أعلم أنه لم يكن افتتانهم بشركهم وإقامتهم عليه إلا أن تبرأوا منه وانتفوا منه، فحلفوا (٤) أنهم ما كانوا مشركين. قال: ومثل ذلك أن ترى إنسانًا يحب غاويًا فإذا وقع في هلكة بسببه تبرأ منه، فيقال له: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه) (٥).
فالفتنة هاهنا بمعنى: الشرك والافتتان بالأوثان، ويؤيد هذا الوجه ما روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية في قوله:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} قال: (يريد شركهم في الدنيا)(٦) وهذا القول في التأويل راجع إلى حذف المضاف؛ لأن المعنى: لم تكن عاقبة فتنتهم إلا البراءة، ومثله قولك: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه، أي: عاقبة محبتك (٧).
(١) (ثم قال): ساقط من (ش)، ولعل الصواب: قال. (٢) ذكره البخاري في "صحيحه" كتاب التفسير: ٨/ ٢٨٦ "الفتح". في تفسير سورة الأنعام. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٤/ ١٢٧٣ بسند ضعيف، وفي رواية أخرى ضعيفة قال: (حجتهم). وأخرج الطبري في "تفسيره" ٧/ ١٦٦ بسند ضعيف عنه قال: (قولهم)، وفي أخرى ضعيفة قال: (كلامهم). (٣) (لفظ): (من) ساقط من (أ). (٤) في (ش): (فحلوا)، وهو تحريف. (٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٣٥ - ٢٣٦. (٦) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٢/ ١٨٢، وقال ابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٤٤: (أي: لم تكن عاقبة شركهم إلا أن تبرأوا منه وأنكروه) ا. هـ. (٧) انظر: "تفسير الرازي" ١٢/ ١٨٢.