{كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}(١)[الأنعام: ١٤٨] فهذا حكايته عن القول، وعَمِلَ دون فَعَل في العموم؛ لأنه لا ينتظم معنى النية والهم والعزم والقول، ولا يقع إلا على عمل البدن، وأما (جعل) فله أحوال، منها:(جعل): صير مثل قوله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ}[الحج: ٢٥] أي صيرناه، ومنها:(جعل): أوجب، كقرله عز وجل:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا}[البقرة: ١٤٣] أي: وما أوجبنا القبلة التي أنت عليها، ومنها:(جعل): خلق، مثل قوله تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام: ١] أي خلق، وأما قوله:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف: ٣] أي: صيرناه؛ لأن من القرآن العبراني والسرياني، فما نقل منه إلى العرب صار عربياً (بالتصيير والنقل)(٢)، ومنها:(جعل): صلة لما بعده، مثل قوله: جعل يصرفه، نحو: طلق وأنشأ وأقبل، كلٌ منها صلة لما بعده من الفعل، فقوله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} أي: ما أوجبها ولا أمر بها، والبحيرة: فعيلة من البحر وهو الشق، يقال: بحر ناقته، إذا شق أذنها، وهي بمعنى المفعولة، وخرجت مخرج النطيحة والذبيحة والنسيكة. وقد مضى الكلام في النطيحة (٣).
قال أكثر أهل اللغة والتفسير: البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن،
(١) في (ج)، (ش): (فعل) والظاهر أنه تصحيف، فإن هذه آية الأنعام، أما (فعل) ففي سورة النحل الآية ٣٣ وتختلف عن هذه حيث قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}. (٢) في (ج): (لتصييره النقل). (٣) عند تفسير الآية الثالثة من هذه السورة.