رسول الله، قَالَ:"فكُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ"، قَالَ: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إلى فَمِ الشِّعْبِ، قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل تُحبُّ أن أكفيكه أوله أم آخره؟ قال: بل أكفني أوله، قال: فاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، فنام، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّ، قال: وأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَ الرجل عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَة لِلْقَوْمِ (١)، قال: فَرَمَي بِسَهْمٍ، فَوَضَعَهُ فِيهِ، قال: فَنَزَعَهُ ووضعه، فثبت قائمًا، قال: ثم رماه سهمًا آخر، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه، وثبت قائمًا، ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهبَّ صاحبه (٢)، فقال: اجلس فقد أُثْبِتُّ (٣)، قال: فوثب، فَلَمَّا رآهما الرجل عَرِفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ (٤)، فهَرَبَ، قال: وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنْ الدَّمِاء، قَالَ: سُبْحَانَ الله! أَفلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَاك؟ قَالَ: كُنْتَ في سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حتى أُنْفذها، فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فأذنتك، وأيم الله لولا أن أضيعّ ثَغْرًا أمرني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أُنفذها (٥).
وقد سمى ابن هشام رحمه الله هذين الرجلين، فقال هما: عمار بن ياسر، وعباد بن بشر (٦).
(١) الربيئة: الطليعة الذي يحرس للقوم، تقول: ربا القوم، إذا حرسهم. (٢) أهبَّ صاحبه: أي أيقظه من نومه. (٣) أُثْبِتُّ: أي جُرِحْتُ جُرحًا بليغًا لا أستطيع معه الحركه. (٤) نذرا به: أي عَلِما بوجوده ومكانه. (٥) حسن: أخرجه ابن هشام في "السيرة" عن ابن إسحاق بسند حسن، وأبو داود (١٩٨)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من الدم، مختصرًا، وحسنه الألباني في "صحيح السنن". (٦) السابق.