{وحرمنا عليه المراضع من قبل} يعني: أن موسى عليه السلام حرم الله عليه المراضع غير ثدي أمه تحريمًا قدريًّا، وكقوله سبحانه:{وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}.
ومثال التحريم الشرعي: قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما}، وقوله تعالى:{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك}.
فتحريم دخول مكة والمدينة على الدجال من التحريم القدري، لكن الدجال يأتي إلى السباخ، فيخرج إليه كل منافق، كما في الحديث:((فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ))، وحينئذٍ تنفي المدينة خبثها، ولا يبقى فيها إلا الخالص.
وفيه: أنه يخرج إليه رجل من أفضل الناس، فيعلن أمام الناس بأنه كافر، ويكذبه، ويقول له:((أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ))، فيسلَّط عليه في المرة الأولى، فيقتله الدجال، ويقطعه قطعتين ويمشي بينهما، ((فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ- حِينَ يُحْيِيهِ-: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْآنَ))، أنت الدجال اللعين، فيريد أن يقتله مرة أخرى، ((فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ))، وفي اللفظ الآخر:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ الَّذِي فَعَلَ بِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ)) (١)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ))، وهذا قد يحمل على أفضل الناس في زمانه، وإلا فالأنبياء أفضل، والصحابة أفضل الشهداء عند رب العالمين.
وقوله:((قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ)): أبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن سفيان راوي الصحيح عن مسلم، يقول:((يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَام))، وقال هذا- أيضًا-: معمر بن راشد في جامعه (٢)، وعلى ذلك يكون الخضر معمرًا
(١) أخرجه أبو يعلى (١٤١٠)، وابن منده في الإيمان (١٠٢٩). (٢) الجامع، لمعمر بن راشد (٢٠٨٢٤).