في هذا الحديث: بيان أن حذيفة رضي الله عنه عنده علم خاص بالفتن؛ ولهذا لما سأل عمر رضي الله عنه، وقال:((أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قال حذيفة رضي الله عنه: أَنَا، فقال عمر رضي الله عنه: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ))، وسبب هذه الجرأة من حذيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرَّ إليه بشأن هذه الفتن، وأخبره بها.
وفيه: أن الفتن أنواع، منها: فتن خفيفة، ومنها: فتن شديدة.
وقوله:((فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ)): وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه.
وفتنة الرجل فى أهله وماله وولده صرفه- من فرط محبته لهم، وشغله بهم- عن كثير من الخير، كما قال الله تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة}، وقوله صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ)) (١)، أو لتفريطه فى القيام بما يلزم من حقوقهم، وتأديبهم وتعليمهم، كما قال:((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) (٢)، وكذلك فتنته في جاره من هذا القبيل.
وهذا الحديث مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه:((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)) (٣).
وقول عمر رضي الله عنه:((لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ))، أي: لست أسأل عن هذه الفتن الخفيفة التي تُكَفَّر بالطاعات، بل أسالك عن الفتن ((الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ))، أي: فتن الحروب، والقتال، والشبهات، فقال حديفة رضي الله عنه:((مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا))، أي: أنت سالم منها، فقال عمر رضي الله عنه لحذيفة رضي الله عنه: ((أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ، أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَلِكَ
(١) أخرجه أحمد (١٧٥٦٢)، وابن ماجه (٣٦٦٦). (٢) أخرجه البخاري (٨٩٣)، ومسلم (١٨٢٩). (٣) أخرجه مسلم (٢٣٣).