وأما الإرادة الدينية الشرعية فقد يتخلف مرادها، وهي خاصة بالمؤمن.
قال النووي رحمه الله:((قوله صلى الله عليه وسلم: ((يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ... )): الحديث، وفي رواية:((فيقال: قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ)): وفي رواية: ((فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ قَدْ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ)) المراد بـ ((أردتُ)) في الرواية الأولى: طلبت منك وأمرتُكَ، وقد أوضحه في الروايتين الأخيرتين في قوله:((قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ)): فيتعين تأويل ((أردتُ)) على ذلك؛ جمعًا بين الروايات؛ لأنه يستحيل عند أهل الحق أن يريد الله تعالى شيئًا فلا يقع. ومذهب أهل الحق: أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات خيرها وشرها، ومنها: الإيمان والكفر، وهو سبحانه وتعالى مريد لإيمان المؤمن، ومريد لكفر الكافر، خلافًا للمعتزلة في قولهم: إنه أراد إيمان الكافر، ولم يرد كفره- تعالى الله عن قولهم الباطل)) (١).
فقول النووي:((يستحيل عند أهل الحق أن يريد الله تعالى شيئًا فلا يقع)) (٢) إنما هو على مذهب الأشاعرة الذين ينكرون الإرادة الدينية.
والصواب: أن الإرادة إرادتان: إرادة كونية، وإرادة شرعية.
وفي هذا الحديث: إثبات القول والكلام لله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)).
وفيه: جواز قول: يقول الله تبارك وتعالى، أو قال الله تعالى.
وفيه: أن هذا يقال لأهون أهل النار عذابًا، لكن لا ينفعه الفداء ما دام قد مات على الشرك، كما أخبر تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
(١) شرح مسلم، للنووي (١٧/ ١٤٧). (٢) شرح مسلم، للنووي (١٧/ ١٤٧).