وقيل: إن ذلك لما يشغله عن عظيم مقامه من النظر فى أمور أمته ومصالحهم، ومجابهة عدوه، ومداراتهم للاستئلاف، فيرى شغله لذلك- وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال- نزولًا عن على درجته، ورفيع مقامه، من حضوره بهمه كله مع الله، ومشاهدته عنده، وفراغه عن غيره إليه، وخلوصه له عمن سواه، فيستغفر لذلك.
وقيل: قد يكون هذا الغين السكينة التى تغشى قلبه، لقوله تعالى:{فأنزل الله سكينته عليه}، واستغفاره إظهار للعبودية والافتقار وملازمة الخضوع، شكرًا لما أولاه به» (١).
والذي يجعل القلبَ يعتل أمورٌ: الغين، بالنون، وهو ستر رقيق خفيف، ثم الغيم بالميم وهو: ستر أشد، ثم الرَّان، قال تعالى:{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}، ثم الطبع، قال تعالى:{طبع الله على قلوبهم}، ثم الختم، قال تعالى:{ختم الله على قلوبهم}، ثم المرض، ثم الانتكاس، ثم الموت- نعوذ بالله من ذلك كله.
وقد فسر بعضهم- كالنووي رحمه الله- الغين بأنه نوع من العبادة، وجعله شيئًا من أعمال التسبيح (٢).
قلت: وهذا لا وجه له.
قوله:((فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)): هذا مع أنه مغفور له عليه الصلاة والسلام، لكنه يفعل ذلك تعبّدًا لله وشكرًا له، وقدوة لأمته كما قال لعائشة:((أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا)) (٣).