قوله:((إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ)): هذا البعض هو الذي يكون فيه الصياح ورفع الصوت، وأما البعض الآخر فلا يعذب به، وهو الذي يكون بدمع العين.
في هذه الأحاديث: أن عائشة رضي الله عنها جزمت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ((إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ))؛ لهذا قالت:((يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ، لَا وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ))، وهذا اجتهاد منها رضي الله عنها، واستدلت عليه بقوله صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ))، وبالآية فقالت:((حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}))، فظنت أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه يعارض الآية.
وعائشة رضي الله عنها أفقه امرأة، ولكنها ليست معصومة، فقد أخطأت في تغليطها عمر رضي الله عنه، ثم هي- أيضًا- وقعت فيما فرت منه رضي الله عنها، فقالت:((إِنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ))، فكيف يعذب الكافر بعمل غيره؟
واختلف العلماء في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه، هل يكون مطلقًا؟
فذهب الجمهور: إلى أنه لا يعذب إلا إذا أوصى أهله بالبكاء عليه، فإنه يعذب، وفي هذه الحالة يكون من عمله، ولا يعارض الآية (١).
وقال آخرون: يعذب إذا أوصى، أو سكت ولم ينههم عن النياحة، أما إذا نهاهم وحذرهم فلا يعذب.
والصواب: أن هذا مستثنى من الآية، وأن العذاب شيء خاص الله أعلم بكيفيته، وجاء في بعض الأحاديث:((مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بِاكَيهِ، فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهُ وَاسَيِّدَاهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، إِلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ: أَهَكَذَا كُنْتَ؟ )) (٢).