قَالَ (١) .: " فَظَهَرَ مِنْ هَذَا اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى جَوَازِ إِسْنَادِ الْقَدِيمِ إِلَى الْمُوجِبِ الْقَدِيمِ وَامْتِنَاعِ إِسْنَادِهِ إِلَى الْمُخْتَارِ ".
فَيُقَالُ: بَلِ الْفَلَاسِفَةُ فِي كَوْنِهِ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لَهُمْ. وَأَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ بِمَشِيئَتِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْمُتَكَلِّمِينَ بَاطِلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنِ الْفَلَاسِفَةِ بَاطِلٌ.
أَمَّا الْفَلَاسِفَةُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ فَمُتَّفِقُونَ عَلَى بُطْلَانِ مَا حَكَاهُ عَنْهُمْ أَوْ أَلْزَمَهُمْ بِهِ، بَلْ هُمْ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ كُلَّ مَفْعُولٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ، ثُمَّ كَوْنُهُ مَفْعُولًا بِالْمَشِيئَةِ أَوْ بِالطَّبْعِ مَقَامٌ ثَانٍ (٢) . .
وَلَيْسَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْمَفْعُولِ مُحْدَثًا مَبْنِيًّا عَلَى كَوْنِ الْفَاعِلِ مُرِيدًا، فَإِنَّ الْفِعْلَ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ إِلَّا مِنْ قَادِرٍ مُرِيدٍ، لَكِنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى حُدُوثِ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ، وَهُمَا أَيْضًا قَضِيَّتَانِ مُتَلَازِمَتَانِ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ الْمُبْطِلِينَ لِأُصُولِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ بِهَذِهِ
(١) فِي " الْمُحَصَّلِ " ص [٠ - ٩] ٦(٢) فِي الْأَصْلِ: بَانَ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَيُوجَدُ أَمَامَ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى هَامِشِ الصَّفْحَةِ التَّعْلِيقُ التَّالِي: " لِقَوْلِنَا فَاعِلٌ مُخْتَارٌ وَفَاعِلٌ بِالْمَشِيئَةِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَالثَّانِي: مَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّرْكُ. فَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ تَقُولُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَجُمْهُورُ الْحُكَمَاءِ تَقُولُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُوجِبًا بِالذَّاتِ، فَالْفَلَاسِفَةُ عَنْ آخِرِهِمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ بِالْمَشِيئَةِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي لَا بِالْمَشِيئَةِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَكَذَا صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " أَبُو الْبَرَكَاتِ الْبَغْدَادِيُّ إِنَّمَا حَكَى عَنِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشِيئَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute