هذه هي رحلتي الثالثة مع الإمام السيوطي ﵀؛ رحلتي الأولى كانت قصيرة استمرت أياماً معدودات، صحبته في رسالة صغيرة ألفها، عنوانها «جزيل المواهب في اختلاف المذاهب»، تعرفت إلى شيء من شخصية هذا العالم الفذ، وأريحيته في قبول الرأي الآخر في مسائل الفقه والحديث، وأنبأتني عن عدم تعصبه لمذهبه الشافعي، بثنائه على كل علماء الأمة، وإيراده الكثير من النصوص والحوادث من واقع السلف الصالح: الصحابة ومن بعدهم، تُبين استيعاب كل منهم لرأي الآخر، وأن الاختلاف الفقهي لم يؤثر على العلاقات الشخصية بين علماء الأمة.
حببتني هذ الرحلة القصيرة بالرجل، وأيقنت أن وراء هذه الشخصية العالمة المتسامحة علماء أجلاء صقلوا شخصيته، وجعلوا منه إماماً مبرزاً في فنون شتى من المعارف والعلوم، لم يترك فنّاً من فنون العلوم إلا وكتب فيه، ما بين رسالة قصيرة في ورقة أو وريقات، وما بين كتاب ضخم في مجلدات عدة.
فأحببت التعرف إلى هؤلاء العلماء والمشايخ الذين كان لهم فضل تعليم الإمام السيوطي وتدريسه، فكانت رحلتي الثانية معه، وكانت أطول من سابقتها بكثير، فصحبته في رحلة ماتعة مع شيوخه الذين أخذ عنهم شتى أنواع العلوم والمعارف، فكانت تلك الرحلة مع كتابه الذي ترجم فيه لهؤلاء الأشياخ الأجلاء، والذي سماه «المنجم في المعجم»، ورأيت في هذا «المنجم»، الكثير الكثير من الكنوز والجواهر التي زينت عنق تلميذهم النجيب السيوطي، فكان عدادهم (١٩٥) جوهرة جميلة ما