ويزداد في هذا النوع أَمرٌ آخَرُ: وهوَ أَنه قد يُعتقد في أحاديث أَنَّها لا تعلق لها بالأمر والنهي، وهي في نظر غيره ليست كذلك، وقد كان كافيًا في الرغبة عن عمله أن يكون هذا القسم لا يحصل منه في خاطِر مَنْ يقرؤه في كتابه شيء يعتقد صحته، بل كل ما يراه منه يظنّ بهِ أَنه مما سمح فيه، وربما يكون صحيحًا لا شك فيه، أو يظن به أنه صحيح، وهو ممَّا سَمَح فيه، أو مما اعتقد صحته، مخطئا في ذلك، كما اتفق له في أحاديث الأحكام، فإنَّك سترى له من أحاديث الأحكام أحاديث ليست بصحيحة، قد سكت عنها، وهي إِمَّا حسنة، وإِمَّا ضعيفة.
وهذا الذي عمل به في هذا النوع، هو مما يجب التوقف عنه، فإن القذف بالأحاديث الضعيفة دون أسانيدها لا يجوز عمله، وإِنَّما تَسامَحَ النَّاس فيما هوَ حَثٌ وتحريض أن يكتبوه بأسانيده ويُبيِّنُوا عِلَلَه.
ودون هذا أن يُكتب بأسانيده، ثمَّ لا تُبيَّن عِلَله، اتكالا على ما أظهر من مواضع علله بذكر أسانيده، أو مواضع النظر منها.
ودُونَ هذا أَنْ يُكتَبَ دُون أسانيده، فهذا [يتقرَّرُ](١) على وجهين: أحدهما: أن يكتب أحاديث في الترغيب، يبين في أولها أنه تسامح فيها، لأنَّهُ حَثٌ وترغيب.
وَالثَّانِي: أن يكتبها كذلك مختلطة بما هو - من هذا النوع - صحيح لا شك فيه أَوْ حَسَنٌ، ثمَّ لا يميّز بين الأصناف الثلاثة، فهذا أصعبها وأقبحها، وهو عمل أبي محمد، فإنَّك لا تدري ممَّا في كتابه من هذا النوع، ما هو صحيح، مما هو ضعيف، مما هو حسن.
ونعني بالحَسَنِ: ما له من الحديث منزلة بين منزلتي الصحيح والضعيف، ويكون الحديث حسنا [هكذا](٢).
إما بأن يكون أحد رواته مختلفًا فيه؛ وثَّقه قوم وضعفه آخرون، ولا يكون ما ضُعَفَ بِهِ جَرْحًا مُفسَّرًا، فإِنَّهُ إِنْ كانَ مفسّرًا، قُدّم على توثيق مَنْ وثَّقه، فصارَ بهِ الحديث ضعيفًا.
(١) كذا في النسخة الخطية: (يتقرَّر)، وفي مطبوعة بيان الوهم والإيهام (٤/ ١١): (يتقدر). (٢) ما بين الحاصرتين زيادة من بيان الوهم والإيهام (٤/ ١٣).