وقد تكون بمعنى (بل) فقط من دون استفهام، وجعلوا منه قوله تعالى:{أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين}[الزخرف: ٥٢]، قالوا لأنه لا معنى للاستفهام هنا، وكذا إذا جاءت بعدها أداة استفهام، نحو:{قل هل يستوي الأعمي والبصير أم له يستوي الظلمات والنور}[الرعد: ١٦]، ونحو:{أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا}[النمل: ٦١]، وقوله:{أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن}[الملك: ٢٠](١). لأن الاستفهام لا يدخل على الاستفهام.
جاء في (المغنى): ومعنى: (أم) المنقطعة - الذي لا يفارقها - الإضراب. ثم تارة تكون له مجردًا وتارة تتضمن مع ذلك أستفهاما طلبيا، فمن الأول:{قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء} أما الأولى فلان الاستفهام لا يدخل على الاستفهام، وأما الثانية فلأن المعنى على الأخبار عنهم باعتقاد الشركاء، ومن الثاني {أم له البنات ولكم البنون} إذ لو قدرت للأضراب المحض لزم المحال.
ومن الثالث قولهم (أنها لإبل أم شاء) التقدير (بل أهي شاء)(٢).
والذي يبدو لي أن (أم) لا تستعمل إلا في الاستفهام. جاء في (المقتضب): فأما أم فلا تكون إلا استفهاما (٣). وهي أما أن تفيده بنفسها أو تقترن به ولا تكون كـ (بل) لليقين والتقرير.
قال تعالى:{وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم}[الرعد ٣٣]، فجاء بـ (أم) للاستفهام الإنكاري، وفي التقرير والإثبات بـ (بل)، ومثله قوله تعالى:{أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون}[المؤمنون: ٧٠]، وقوله:{ام يقولون افتراه بل هو الحق من ربك}[السجدة: ٣]، وقوله:{أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون}[الطور: ٣٣]، وقوله: {أم خلقوا
(١) شرح الرضي على الكافية ٢/ ٤١٤ (٢) المغنى ١/ ٤٤ - ٤٥ (٣) المقتضب ٣/ ٢٨٦ - وانظر الجمل ٣١، كتاب سيبويه ١/ ٤٨٢