قد توصف النكرة بالجملة، وذلك كقوله تعالى:{وهذا كتاب أنزلناه مبارك}[الأنعام: ٩٢]، فـ (أنزلناه) نعت لـ (كتاب) أي منزل، وكقوله:{فإذا هي حية تسعى}[طه: ٢٠]، فـ (تسعى) صفة لحية، أي: ساعية.
ولا توصف بها المعرفة ذلك، لأن الجملة تؤول بنكرة فتصف النكرة، فقولك:(رأيت طفلا يبكي) تؤول فيه (يبكي) بـ (باكيا).
ويشترط النحاة في الجملة التي يوصف بها أن تكون خبرية، فلا يصح أن يقال (رأيت رجلا أضربه) ولا (رأيت رجلا هل تكرمه؟ ) فإن جاء ما ظاهره ذلك، أول على إضمار قول محذوف هو الصفة، كما في قول رؤية:
حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط
قالوا: التقدير جاؤا بمذق مقول فيه ذلك، أي جاؤوا بلبن مخلوط بالماء حمل رائيه أن يقول لمن يريد وصفه: هل رأيت الذئب في حياتك فهو مثله في اللون (١).
وقال ابن عمرون:" الأصل بمذق [مثل](٢). لون الذئب هل رأيت الذئب؟ يقولون: مررت برجل مثل كذا هل رأيت كذا؟ وفي الحديث (كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم يارسول الله. قال فإنها مثل شوك السعدان)، ثم حذف (مثل لون الذئب) وبقي (هل رأيت الذئب) وتأولوه: (مقول) عند رؤيته هذا الكلام"(٣).
ويبدو لي أن هذا الرأي مسوغ، لأن المقصود بهذا القول التشبيه، وهذا التعبير مستعمل كثيرا في لغتنا، فإنك قد تقول لصاحبك:(أكلت فاكهة هل ذقت التمر) أي هي
(١) انظر شرح ابن يعيش ٣/ ٥٣، والإيضاح في علم البلاغة ٥٠، التصريح ٢/ ١١٢ (٢) زيادة اقتضاها السياق (٣) التصريح ٢/ ١١٢