وذهب الزمخشري إلى أنها للنفي، والمقصود بذلك إعظام المقسم به، فكأنه قال: أنا لا أعظمه بالقسم، فهو معظم بغير القسم، قال: والوجه أن يقال: هي للنفي، والمعنى في ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له، يدلك عليه قوله تعالى:{فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}[الواقعة: ٧٥ - ٧٦] فكأنه بغدخال حرف النفي يقول: إن إعظامي له بأقسامي به كلا إعظام يعني أن يستأهل فوق ذلك (١).
وقيل: إنها لتوكيد النفي الذي جاء فيما بعد (٢).
جاء في (الكشاف): " فإن قلت: قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون}[النساء: ٦٥]، والأبيات التي أنشدتها المقسم عليها فيها منفي، فهلا زعمت أن التي قبل القسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له، وقدرت المقسم عليه المحذوف هنا منفيا، كقولك: لا أقسم بيوم القيامة لا تتركون سدى.
قلت: لو قصر الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ ولكنه لم يقصدر، ألا ترى كيف لقي:{لا أقسم بهذا البلد}[البلد: ١]، بقوله:{لقد خلقنا الإنسان}[البلد: ٤]، وكذلك {فلا أقسم بمواقع النجوم} بقوله: أنه لقرآن كريم (٣).
وجاء في (بدائع الفوائد) أن (لا): " أقحمت أول القسم إيذانا بنفي المقسم عليه وتوكيدًا لنفيه كقول الصديق (لاها الله لا تعمد إلى أسد من أسد الله) الحديث" (٤).
وقال محمد عبده في تفسير جزء عم: " أن (لا أقسم) عبارة من عبارات العرب في القسم، يراد بها تأكيد الخبر، كأنه في ثبوته وظهوره لا يحتاج إلى قسم، ويقال إنه يؤتي
(١) الكشاف ٣/ ٢٩٢ (٢) انظر التفسير الكبير ١٠/ ١٦٣ (٣) الكشاف ٣/ ٢٩٢، وانظر ١/ ٤٠٥، ـ في قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون} [النساء: ٦٥] (٤) بدائع الفوائد ١/ ١٠١