ومثله - في رواية من نصب (مائة) - قول حذيفة (١) رضي الله تعالى عنه:
«فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا، ونحن ما بين السّتّ مائة، والسبع مائة»(٢) فأجرى الألف واللّام - في تصحيح نصب المميز - مجرى النّون، من «مائتين عاما»، لاستوائهما في المنع من الإضافة، قال المصنف: وهذا يقوّي ما ذهب إليه ابن كيسان، من جواز: الألف درهما، والمائة دينارا (٣)، قال: ويروى «ما بين الستّ مائة، إلى السبع مائة؟» بجرّ (مائة) وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون أراد (مئات) على (٤) أنه بدل، ثمّ استعمل المفرد مكان الجمع، على فهم المعنى، كما قيل في قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥).
والثّاني: أن يجعل الألف واللام زائدين، فلم يمنعا من الإضافة، كما لم يمنعا في قول الشاعر:
١٩٢٤ - تولي الضّجيع إذا تنبّه موهنا ... كالأقحوان من الرشاش المستقي (٦)
الثالث: أن يكون أراد ما بين الستّ ستمائة، ثم حذف المضاف، وأبقى عمله، -
(١) هو أبو عبد الله، حذيفة بن اليمان، الصحابي، رضي الله تعالى عنهما، أسلم هو وأبوه، وشهد أحدا، وروى عنه جماعة من الصحابة رضي الله عنه منهم: عمر، وعلي، وعمار رضي الله عنه. توفي بالمدائن سنة (٣٦ هـ). ينظر في ترجمته: تهذيب الأسماء واللغات للإمام أبي زكريا النووي (١/ ١٥٥) ط. بيروت. دار الكتب العلمية. (٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب الاستسرار بالإيمان للخائف (١/ ٧٣، ٧٤) والرواية بتمامها: «عن حذيفة رضي الله تعالى عنه، قال: «كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: احصوا لي كم يلفظ الإسلام، قال: فقلنا: يا رسول الله. أتخاف علينا، ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: إنكم لا تدرون، لعلكم أن تبتلوا قال: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرّا». اه. (٣) ينظر رأي ابن كيسان هذا في: شرح التصريح (٢/ ٢٧٣)، والهمع (١/ ٢٥٣)، والأشموني (٤/ ٦٧)، والتذييل والتكميل (٤/ ١٦٤). (٤) كلمة على: من الهامش. (٥) سورة القمر: ٥٤. في معاني القرآن للفراء (٣/ ١١١): «وقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ يقرأ «نهر» بفتح النون وهو واحد في معنى الجمع، ويقرأ بضم النون والهاء، على الجمع، مثل: أسد، وأسد. والمراد - هنا - إبدال (مائة) من المخفوض، على إنابة المفرد على الجمع مثل: فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. (٦) سبق تخريجه في الباب السابق (باب التمييز).