ففي كل واحدة من الآيات الثلاث: تقرير سنة إلهية لا تتبدل ولا يطرأ عليها التخصيص، لذا كان العموم مقطوعًا به في كل منها جميعًا، ولا يحتمل أن يراد به الخصوص (١).
وذلك قول الشافعي في شأن الآيتين الأولى والثانية:(فكل شيء من سماء وأرض وذي روح، وشجر، وغير ذلك: فالله خلقه، وكل دابة فعلى الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها)(٢).
الثاني: ما أريد به الخصوص قطعًا: وهو الذي اصطحب بقرينة تنفي أن يكون العموم مرادًا، وتدل على أن المراد من هذا العام إنما هو بعض الأفراد.
مثال ذلك قول الله جلَّ ذكره: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧].
فلفظ ﴿وَلِلَّهِ﴾ في هذا النص عام يشمل المكلفين وغيرهم كالأطفال والمجانين، ولكن هذا العام أريد به خصوص المكلفين؛ لأن العقل يقضي بخروج الصبي والمجنون؛ فتخصيص العام بالعقل في النص المذكور، جعل من المقطوع به أن العام وهو ﴿النَّاسِ﴾ مراد منه الخصوص.
فكلُّ من ﴿لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ و ﴿الْأَعْرَابِ﴾ في الآية عام أريد به خصوص القادرين، لأن العقل يقضي بخروج العجزة. وهكذا كان المراد من العموم في الآية: من أطاق الجهاد من الرجال.