فإنه لا يحسن الاستفهام بعد ذلك، بأن يقول: فهل أعطيه إذا قام، وهل أمتنع عن إعطائه إذا رضي؟ ولولا أن التقييد بالغاية يدل على انتفاء الحكم عما بعدها: لما كان كذلك.
فإذا كان هذا الأمر معروفًا من توقيف اللغة، فمن المجافاة لطبيعة الخطاب في اللغة: إنكار القول بهذا المفهوم (١).
ولم يكن الشوكاني - في نظرنا - مغاليًا حين قرر أن نفاة هذا المفهوم، لم يتمسكوا بشيء يصلح للتمسك به قط، بل صمّموا على منعه طردًا لباب المنع من العمل بالمفاهيم، وليس ذلك بشيء (٢).
[من آثار الاختلاف في مفهوم الغاية]
كان للقول بمفهوم الغاية، أو عدم القول به: أثر واضح في الأحكام، وليس معنى ذلك أن الأحكام كانت تختلف دائمًا، وإنما قد تتفق، ولكن يكون الاختلاف في المأخذ.
أ - فقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧] يدل بمنطوقه على إباحة الأكل والشرب إلى الغاية التي ذكرت في النص، وهي طلوع الفجر الصادق.
وإذا أخذنا بالمفهوم المخالف: رأينا أن التقييد بالغاية يدل على عدم إباحة الأكل والشرب بعد الفجر الصادق، وهو الغاية التي ذكرت في النص.
(١) ومن هنا قال القاضي في "التقريب" كما نقل عنه الشوكاني: (صار معظم نفاة دليل الخطاب إلى أن التقيد بحرف الغاية يدل على انتفاء الحكم عما وراء الغاية)، وقال: (ولهذا أجمعوا على تسميتها غاية، وهذا من توقيف اللغة معلوم فكان بمنزلة قولهم: تعليق الحكم بالغاية موضوع للدلالة على أن ما بعدها بخلاف ما قبلها). وجاء في "منهاج الوصول" للمرتضى عن قاضي القضاة: (أن المعلوم من اللغة العربية أن وضع لفظ الغاية لرفع الحكم عما بعدها في نحو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] حيث أوضح بلفظ الغاية أن منتهى وقت تحريم وطئهن حصول طهرهن، وهذا بالاتفاق يفيد رفع تحريم وطئهن عند طهرهن). راجع: "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ١٨٢)، "منهاج الوصول شرح معيار العقول" (ق ٤٦)، "الفصول اللؤلؤية" (ق ١٠٤)، "الإحكام" للآمدي (٣/ ١٣٤ - ١٣٥). (٢) انظر: "إرشاد الفحول" (ص ١٨٢).