وذلك كما في قوله تعالى في تحريم أزواج النبي ﷺ من بعده: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣].
وقوله جلّ وعلا في قاذفي المحصنات وعدم قبول شهادتهم: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ [النور: ٤].
وقول الرسول ﷺ في شأن المتعة:"إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمَن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا"(١).
وقوله ﵊:"الجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال"(٢).
فقد اقترن بكل نص من هذه النصوص: ما أفاد تأبيد الحكم الذي اشتمل عليه.
المحكَم لذاته والمحكَم لغيره:
لقد عُلم مما سبق، أن عدم قابلية النسخ، يكون أحيانًا من ذات النص، وأحيانًا من خارج النص.
أما من ذات النص: فكما في الأمثلة السالفة الذكر.
وأما من خارج النص: فيكون لانتهاء عهد الرسالة، بوفاة النبي ﷺ من غير أن يثبت نسخ، وحِقبة النسخ محدودة بانقطاع الوحي، كما بيّنّا من قبل.
ففي الحالة الأولى: يكون المحكَم محكمًا لذاته، لأن الإحكام جاء من ذات النص.
(١) أخرجه أحمد (١٦٥٥٢) ومسلم (١٤٠٥) من رواية سبرة الجهني، وانظر: "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٦/ ١٤٣). (٢) من حديث أنس بن مالك الذي أخرجه أبو داود (٢٥٣٢)، وحكاه أحمد في رواية ابنه عبد الله، وانظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (١/ ٦)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٧/ ٢٢٥)، "تخريج أحاديث البردوي" للقاسم بن قطلوبغا (لوحة ٧) مخطوطة دار الكتب المصرية.