ونفصل القول بهذا المفهوم الذي اكتفينا بالإشارة إليه من قبل، لنبين أنه غير معترف به من القائلين بمفهوم المخالفة، إلا مَن استثني.
ومفهوم اللقب: هو (دلالة منطوق اسم الجنس أو اسم العلم على نفي حكمه المذكور عما عداه). وقد مثَّل الآمدي للأول بحديث الأصناف السنة في تحريم الربا وهو قوله ﵇:"الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر، والتمر بالتمر … إلخ"، الحديث (١).
وللثاني بقولنا:"زيد قائم".
فإذا قلنا بمفهوم اللقب: فما عدا الأصناف السنة التي تناولها الحديث: لا تعتبر أصنافًا ربوية. وما عدا زيد: فهو غير قائم.
ولم يقل بهذا المفهوم إلا الدقاق (٢)، وبعض الحنابلة. أما الجمهور جميعًا، فهم على خلاف ذلك (٣)، ولهذا قال الغزالي:(وقد أقر ببطلانه كل محصِّل من القائلين بالمفهوم)(٤).
والراجح عندنا: أن القول بمفهوم اللقب، مذهب ظاهر العوار لا سند له من لغة أو عقل أو شرع، فالعربي يفهم بكل بداهة وبساطة أن مَن قال: رأيت عليًا، لم يكن نقيض ذلك أنه لم يرَ غيره قطعًا. وأما إذا دلّت القرينة على العمل به في بعض الصور: فمرد ذلك إلى القرينة، وذلك خارج عن محل النزاع (٥).
(١) انظر ما سلف: "الإحكام" للآمدي (٣/ ١٣٧). (٢) هو محمد بن محمد بن جعفر البغدادي الشافعي، أبو بكر، من آثاره: "شرح المختصر"، توفي سنة ٣٩٢ هـ. (٣) "الإحكام" للآمدي (٣/ ١٧٣ فما بعد)، "مختصر المنتهى" (٢/ ١٨٢)، "المدخل" لبدران (ص ١٢٨). (٤) راجع "المستصفى" (٢/ ٤٦)، "الإحكام" للآمدي (٣/ ١٣٧)، "ابن الحاجب" (٢/ ١٨٢). وانظر مزيد تفصيل في ذلك عند الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص ١٨٣). (٥) راجع: "سلم الوصول" للتلمساني (ص ٦٧).