ولقد اختلفت أنظار العلماء في تخصيص العام بالعرف العملي:
فذهب الحنفية وجمهور المالكية إلى التخصيص: بحيث يحمل العام على ما يقضي به العرف (١). وذهب العلماء الآخرون إلى عدمه (٢).
وعلى هذا: لو كان الطعام الغالب في البلد الذي جرى فيه العرف هو البر، وقال الشارع: حرمت الربا في الطعام، اقتصرت الحرمة على الغالب من الطعام - وهو البر - عند القائلين بالتخصيص، وعمَّت في كل ما يطعم عند غيرهم.
ومن أمثلة ذلك: تخصيص الوالدات في قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣].
فلفظ (الوالدات) عام في هذا النص، ولكن العرف خص منه الوالدة الرفيعة القدر التي ليس من عادة مثيلاتها إرضاع أولادهن إن كان الولد يقبل ثدي غيرها: للمصلحة العرفية، كما ذهب إلى ذلك الإمام مالك ﵀. وهكذا أصبح العام وهو (الوالدات) قاصرًا على غير هذا النوع الذي خصه العرف العملي (٣).
وعلى أية حال: فسواء أكان العرف قوليًا أم عمليًا، لا بد أن يكون
(١) راجع: "التحرير" مع "التقرير" و"التحبير" (١/ ٢٨٢)، "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (٢/ ١٤٣). هذا: وأما القرافي من المالكية: فقد ذهب غير هذا المذهب، وقرر أن العرف لا يصلح لتخصيص اللفظ ولا تقييده، وتابعه على رأيه خليل بن إسحاق المالكي. "الفروق" للقرافي (١/ ١٧٣ الفرق/ ٢٨)، "العرف والعادة" لأبي سنة (ص ١٢٤)، "المدخل الفقهي العام" للأستاذ مصطفى الزرقاء (٢/ ٨٨٨). (٢) راجع: "منهاج البيضاوي" مع شرحه للإسنوي (٢/ ٤٦٩) لما بعدها، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٢٨٢)، "العرف والعادة في رأي الفقهاء" (ص ٩١ - ٩٤، ١٢٤). (٣) راجع: "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٢٠٤)، "الفروق" للقرافي (١/ ١٨٧).