وقد احتجُّوا بقراءة الجر في قوله: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ وأن ذلك كان عطفًا على قوله: ﴿بِرُءُوسِكُمْ﴾ وقراءة الخفض قراءة صحيحة سبعية؛ فجوّز التأويلَ بالمسح عندهم، هذا الاحتمالُ الذي جاء من هذه القراءة.
ولكن في الآثار واللغة ما يجعل هذا التأويل بعيدًا؛ فقد ثبت في الصحاح مداومته ﷺ على غسل الرجلين. ولم يثبت المسح عنه من وجه صحيح. وأمر بالغسل صراحة، وذلك فيما ورد من حديث جابر ﵁:"أمرنا رسول الله ﷺ إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا"(١).
كما ثبت أن رسول الله ﷺ قال بعد أن توضأ وضوءًا غسل فيه قدميه:"فمَن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم"(٢) ولا شك أن المسح بالنسبة للغَسل نقص.
وقد قال رسول الله ﷺ للأعرابي:"توضأ كما أمرك الله" ثم ذكر له صفة الوضوء، وفيها غسل الرجلين (٣). وروى مسلم عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ رأى رجلًا لم يغسل عقِبَه فقال:"ويْلٌ للأعقاب من النار" وقد أجمع الصحابة أيضًا على الغسل (٤).
وإلى جانب هذه الآثار: ثبت عن العرب استعمال المسح بمعنى الغسل، إذ إن المسح في كلامهم يكون غسلًا ويكون مسحًا، ومنه يقال: مسح الله
(١) أخرجه الدارقطني (٣٧٧). وانظر: "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (١/ ١٨٥ - ١٨٦). (٢) أخرجه من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص: أحمد (٦٦٨٤)، أبو داود (١٣٥)، والنسائي (١٤٠) وفي "الكبرى" (٩٠)، وابن ماجه (٤٢٢) وابن خزيمة (١٧٤) وهو حديث حسن. وانظر: "نيل الأوطار" للشوكاني (١/ ١٨٥ - ١٨٦). (٣) انظر: "نيل الأوطار" (١/ ١٨٥) وانظر: حديث عمرو بن عبسة في "سنن النسائي" (١/ ٩١ - ٩٢) مع شرح السيوطي وحاشية السندي حيث قال السيوطي هناك عند قول الرسول ﷺ لعمرو بن عبسة: "وغسلت رجليك إلى الكعبين": (فيه تصريح بأن وظيفة الرجلين هي الغسل لا المسح). (٤) "مسلم" (٥٧٢) من رواية أبي هريرة ﵁، وراجع: "معالم السنن" للخطابي (١/ ٥٠ - ٥١)، "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (١/ ٧٢)، "نيل الأوطار" (١/ ١٨٥ - ١٨٦).