ولقد دلّ على ذلك - إلى جانب الآثار - الطلب والتأمُّل، وذلك في أمرين نعرضهما فيما يلي:
١ - أما الأمر الأول: فهو أن موضع الحرث هو موضع الولد، وذكر الحرث، يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرّم. والمأتى الحلال هو الذي دلّ عليه قوله تعالى: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢].
فقد روى البيهقي عن ابن عباس:(تأتيها كيف شئت مستقبلة ومستديرة، وعلى أي ذلك أردت، بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره وهو قوله: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ (١).
وقال الإمام الشافعي:(وبيّنٌ أن موضع الحرث موضع الولد، وأن الله ﷿ أباح الإتيان فيه إلا في وقت الحيض. وإباحة الإتيان في موضع الحرث، يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره)(٢).
وقال أبو بكر الجصاص:(الحرث: المُزدَرَع، وجُعل في هذا الموضع كتابةً عن الجماع، وسمي النساء حرثًا لأنهن مزدرع الأولاد)(٣).
وقال إلكيا الهراسي الطبري:(وفي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ مع قوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ ما يدل على أن في المأتى اختصاصًا، وأنه مقصور على موضع الولد)(٤).
٢ - أما الأمر الثاني: فهو أن تحريم الاتصال بالزوجة في زمان الحيض بقوله تعالى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يدل بالأولى على تحريم الاتصال بها في الموضع الآخر، لأن الأذى - من نجاسة وقذر في الحالة الأولى - عارض، وفي الثانية دائم ولازم.