قال أبو عقال: «فكنت معه حتى أتانا الخبر بأن رفقة الحاج خرجت من القيروان فوافيناها بقابس، فلما كان في الساعة التي نزلنا بها في طرف مناخ الرفقة (١٧) -وقد هلكت جوعا-قال (١٨)[لي](١٩): «يا بني، خذ هذه الستة دراهم فاشتر بها (٢٠) ما نأكلوا (٢١) فو الله ما أملك غيرها».قال أبو عقال: فلما أخذتها واستقرت في يدي إذا بسائل قد وقف إليه، فقال له:«عسى يحضرك شيء لله عزّ وجل»، فقال لي:
«ادفع إليه تلك الستة دراهم».قال: فأمسكت يدي وقلت في نفسي: «نحن البارحة لم (٢٢) نطعم، وأنا لا أرى أين أضع قدمي من الجوع»، فأمسكت يدي عن الستة دراهم، فانتهرني وقال: «ادفعها [إليه](٢٣) كما أمرتك» قال: فدفعت إليه خمسة دراهم وأمسكت درهما دون علمه.
قال: «فو الله ما مشى السائل قليلا ولا توارى حتى سمعنا صائحا يصيح (٢٤) باسم أبي هارون واسمي فقلت له: «ألا تسمع هذا الذي يصوت بنا؟ » فقال [لي](٢٣):
«الساعة ينتهي إليك»، والرجل يكثر الصياح باسمينا (٢٥) ويسأل أهل الرفقة في المناخ عنّا، فقلت له:«أقول لبيك وأجيبه؟ » فقال لي: «لا تكن (٢٦) عجولا»، حتى وقف الصائح بنا وسلم علينا وقال: «هذه خمسون دينارا مثاقيل بعث بها (٢٧) إليكما فلان
(١٧) رواية (ب): مناخ الحاج والرفقة. ثم ضبب الناسخ فوق كلمة «الحاج» وحذفنا حرف الواو التي بعدها اتباعا لرواية (ق). (١٨) في الأصلين: فقال. (١٩) زيادة من (ق). (٢٠) في (ق): خذ بها. (٢١) كذا في (ب). وهي لهجة تونسية ما زالت سائدة. وفي (ق): تأكلون (مهملة). (٢٢) في (ق): لا. (٢٣) زيادة من (ق). (٢٤) في (ق): وهو يصيح. (٢٥) في الأصلين: بأسمائنا. (٢٦) في الأصلين: تكون. (٢٧) في (ق): بهما.