الدليل الأول: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل علي قال:«هل عندكم طعام؟ »، فإذا قلنا: لا، قال:«إني صائم». فدخل علينا يوما آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس؛ فحبسناه لك، فقال:«أدنيه»، فأصبح صائما وأفطر (١).
وفي رواية: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال:«هل عندكم شيء؟ »، فقلنا: لا. قال:«فإني إذا صائم». ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال:«أرينيه، فلقد أصبحت صائما» فأكل (٢).
وفي رواية: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيني فيقول: «أعندك غداء (٣)؟ »، فأقول: لا، فيقول:«إني صائم». قالت: فأتاني يوما فقلت: يا رسول الله، إنه قد أهديت لنا هدية، قال:«وما هي؟ ». قالت: قلت: حيس، قال:«أما إني قد أصبحت صائما». ثم أكل (٤).
وجه الاستدلال: إن دلالته على جواز إنشاء صوم التطوع من النهار ظاهرة وذلك من وجوه (٥):
الأول: لم يكن طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - للطعام عبثا، وإنما كان طلبه ليأكل، فلما لم يجده نوى الصوم (٦).
الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:«فإني صائم»، وهذه الفاء تفيد السبب والعلة، فيصير المعنى: إني صائم؛ لأنه لا شيء عندكم، ومعلوم أنه لو كان قد أجمع الصوم من الليل لم يكن صومه لهذه العلة (٧).
الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فإني إذا صائم» و «إذا» أصرح في التعليل من الفاء، وهي لابتداء النية، لا لما مضى وتقدم (٨).
(١) سبق تخريجه صفحة (١٦٦). (٢) أخرجه مسلم ٢/ ٨٠٨ رقم ١١٥٤, كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال. (٣) الغَداء: الطعام الذي يؤكل أول النهار أو طعام الغدوة، أو أكلة الظهيرة، وهو خلاف العشاء. ينظر: النهاية ٣/ ٣٤٦، لسان العرب ١٥/ ١١٨، المعجم الوسيط ٢/ ٦٧٠ مادة: غدا. (٤) أخرجه الترمذي ٣/ ١٠٢ رقم ٧٣٤, أبواب الصوم، باب صيام المتطوع بغير تبييت، وقال: "هذا حديث حسن". وقال الألباني في صحيح الترمذي ١/ ٢٢٤: "حسن صحيح". (٥) ينظر: عون المعبود ٧/ ٩١، معالم السنن ٢/ ١٣٤، شرح المشكاة للطيبي ٥/ ١٦١٨. (٦) ينظر: المسالك لابن العربي ٤/ ١٧٠. (٧) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ١٨٦. (٨) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ١٨٦، الحاوي الكبير ٣/ ٤٠٦، والتوضيح لابن الملقن ١٣/ ١٥٤.