وتعطف: ألكِ حاجة؟ فأخبرته خبر الرجل؛ فبكى ثم رفع يديه إلى السماء، فقال: اللهم إنك أنت الشاهد عليَّ وعليهم، إني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا ترك حقك، ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب، فكتب فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ١ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا ٢ فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} ، إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا، حتى يأتي من يقبضه منك والسلام".
فأخذته منه والله ما خَزَمَه بِخِزام، ولا ختمه بختام٣ فقرأته، فقال معاوية: اكتبوا لها بالإنصاف لها، والعدل عليها؛ فقالت: أليّ خاصة، أم لقومي عامة؟ قال: وما أنت وغيرك؟ قالت: هي والله إذن الفحشاء واللؤم، إن لم يكن عدلًا شاملًا، وإلا يسعني ما يسع قومي، قال: هيهات! لَمَّظَكم٤ ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئًا ما تفطمون، وغرَّكم قوله:
فلو كنت بوابًا على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
كالهندواني لم تفلل مضاربه ... وجه جميل وقلب غير وجاب٦
اكتبوا لها ولقومها.
"العقد الفريد ١: ١٢٩، وبلاغات النساء ص٣٥"
١ القسط: العدل. ٢ عثا يعثوا عثوا: أفسد ٣ الخزام جمع خزامة بالكسر، وهي في الأصل: حلقة تجعل في أحد جانب منخري البعير، وحزامة النعل: سير رقيق يخزم بين الشراكين. الختام: الطين يختم به على الشيء، "والخاتم: ما يوضع على الطينة". ٤ التلمظ: التذوق، وأن يحرك الإنسان لسانه في فمه بعد الأكل، يتتبع به بقية من الطعام بين أسنانه، ويخرجه فيمسح به شفتيه، واسم ما بقي في الفم اللُّماظة بالضم، ويقال: لمظ فلانًا "بالتشديد" لماظة: أي شيئًا يتلمظه، ولمظه من حقه شيئًا: أعطاه "والعامة تبدل الظاء ضادًا". ٥ سناه تسنية: سهله وفتحه. ٦ سيف هندواني بكسر الهاء، ويجوز ضمها إتباعا للدال منسرب إلى الهند، ووجاب من وجب القلب وجيبًا إذا خفق.