إِلَّا مُحْدَثًا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ. وَإِنَّمَا أَثْبَتَ مُمْكِنًا قَدِيمًا ابْنُ سِينَا وَمَنْ وَافَقَهُ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إِخْوَانُهُ الْفَلَاسِفَةُ وَبَيَّنُوا أَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ سَلَفِهِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ الْعُقَلَاءِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ مَفْعُولٌ أَوْ مُبْدَعٌ أَوْ مَصْنُوعٌ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا.
وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ إِذَا تَصَوَّرُوا أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ تَصَوَّرُوا أَنَّهُ أَحْدَثَهَا، لَا يُتَصَوَّرُ فِي عُقُولِهِمْ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً قَدِيمَةً، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَاتٍ أُخَرَ مِثْلِ أَنْ يُقَالَ: هِيَ مُبْدَعَةٌ قَدِيمَةٌ أَوْ مُفْعُولَةٌ قَدِيمَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، بَلْ هَذَا وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُقَلَاءِ، وَمَا يَذْكُرُهُ مَنْ يُثْبِتُ مُقَارَنَةَ الْمَفْعُولِ لِفَاعِلِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَرَّكْتُ يَدِي فَتَحَرَّكَ الْخَاتَمُ وَنَحْوُهُ، تَمْثِيلٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَذْكُرُونَهُ عِلَّةٌ فَاعِلَةٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْمَعْلُولِ الْمَفْعُولِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ شَرْطٌ أَوْ سَبَبٌ كَالشَّرْطِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَ الْمَشْرُوطَ، هَذَا إِذَا سُلِّمَ مُقَارَنَةُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَفِي كَثِيرٍ مِمَّا يَذْكُرُونَهُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ مَعَ اتِّصَالِهِ بِهِ، كَأَجْزَاءِ الزَّمَانِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، هُوَ مُتَّصِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مَعَ التَّأَخُّرِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي " مُحَصَّلِهِ " وَغَيْرِ مُحَصَّلِهِ ; حَيْثُ قَالَ (١) .: " اتَّفَقَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى أَنَّ الْقَدِيمَ يَمْتَنِعُ اسْتِنَادُهُ (٢) . إِلَى الْفَاعِلِ، وَاتَّفَقَتْ
(١) الْكَلَامُ التَّالِي يَذْكُرُهُ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ " مُحَصَّلُ أَفْكَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ "، ص [٠ - ٩] ٥، وَسَنُقَابِلُ النُّصُوصَ التَّالِيَةَ عَلَيْهِ(٢) فِي " الْمُحَصَّلِ ": يَسْتَحِيلُ إِسْنَادُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute