تَفْرِيقَ بَعْضِهَا مُتَعَسِّرٌ أَو مُتَعَذّرٌ؛ كَتَعَسُّرِ تَفْرِيقِ الْأَجْنَاسِ فِي الْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ، وَإِن كَانَت الْمَشَقَّةُ فِي المقثاة أوْكَدَ؛ وَلهَذَا جَوَّزَهَا مَن مَنَعَ الْأجْنَاسَ كَمَالِكٍ.
فَإنْ قِيلَ: هَذِهِ الطورَةُ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَن بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَاهُ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ -كَمَا قَرَّرْتُمْ- لَيْسَ بِدَاخِل فِي الْعُمُومِ؛ لِأنَّهُ إجَارَةٌ لِمَن يَعْمَلُ، لَا بَيْعٌ لِعَيْن.
وَأَمَّا هَذَا فَبَيْعٌ لِلثَّمَرَةِ فَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ، فَكَيْفَ تُخَالِفُونَ النَّهْيَ؟
قُلْنَا: الْجَوَابُ عَن هَذَا كَالْجَوَاب عَمَّا يَجُوزُ بالسُّنَّةِ وَالْإجْمَاعِ مِن ابْتِيَاعِ الشَّجَرِ مَعَ ثَمَرَةِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ (١)، وَابْتِيَاعِ الأرْضِ مَعَ زَرْعِهَا الَّذِي لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ، وَمَا نَصَرْنَاهُ مِن ابْتِيَاعِ المقاثي مَعَ أنَّ بَعْضَ خَضِرِهَا لَمْ يُخْلَقْ.
وَجَوَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِطَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أنْ يُقَالَ: إنَّ النَّهْيَ لَمْ يَشْمَلْ بِلَفْظِهِ هَذِهِ الصُّورَةَ .. فَإنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أنَّ الْمُرَادَ بِالثَّمَرِ هُنَا الرُّطَبُ دُونَ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي أنْ نَقُولَ: وَإِن سَلَّمْنَا الْعُمُومَ اللَّفْظِيَّ لَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ مُرَادَةً؛ بَل هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِن الْأدِلَّهِ التِي تَخُصُّ مِثْل هَذَا الْعُمُومِ؛ فَإنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِي الثَّمَرِ التَّابع لِشَجَرِهِ، حَيْثُ قَالَ النُّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن ابْتَاعَ نَخْلًا لَمْ يُؤبَّرْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أنْ يَشْتَرِطُ الْمُبْتَاعُ" أخْرَجَاهُ (٢) مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَجَعَلَهَا لِلْمُبْتَاعِ إذَا اشْتَرَطَهَا بَعْدَ التَّأْبِيرِ، وَمَعْلُومٌ أنَّهَا حِينَئِذٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُفْرَدَةً.
وَأمَّا نَهْيُهُ -صلى الله عليه وسلم- عَن الْمُعَاوَمَةِ الَّذِي جَاءَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهُ بَيْعُ
(١) وأما حَدِيث ابنِ عَبَّاسٍ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَن بَيْعِ النُّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ أَو يُؤكَلَ مِنْهُ"، فقال الشيخ: الْمُرَادُ بِالنُّخْلِ ثَمَرُهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَد جَوَّزَ اشْتِرَاءَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ مَعَ اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي لِثَمَرَتِهِ. (٢٩/ ٨٥)(٢) البخاري (٢٣٧٩)، ومسلم (١٥٤٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute