أخرجه عن عُقيل: قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت:
لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه ﷺ طرفي النهار: بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ (بَرك الغِماد)(١) لقيه ابن الدَّغنة، وهو سيد (القارة)(٢)، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي.
فقال ابن الدَّغنة: فإن مثلك يا أبا بكر! لا يَخْرُجُ، ولا يُخْرَجُ مِثْلُهُ، إنك تُكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتَقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك.
فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، وطاف ابن الدغنة في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ ولا يُخْرَجُ، أتخرجون رجلًا يُكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكَلَّ، ويَقْرِي الضيف، ويعين على نوائب الحق؟!
فلم تكذب قريش بجوار ابن الدَّغِنة، وقالوا لابن الدَّغِنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصلَّ فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يَفْتِنَ نساءنا وأبناءنا.
فقال ابن الدَّغِنة ذلك لأبي بكر.
(١) موضع وراء (مكة) بخمس ليال مما يلي البحر. (٢) قبيلة مشهورة، يضرب بهم المثل في قوة الرمي، فيقال: قد أنصف القارة من راماها.