(اللهم إني أعوذ بك من البخل) أي: المورث للحرص، المانع عن الخير، (وأعوذ بك من الجبن) أي: المانع عن الشجاعة الباعثة على قهر أعداء الدين، [والمانع](١) عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (وأعوذ بك أن أُرَدّ) بصيغة المجهول، أي: من أن أنقلب (إلى أرذل العُمُر) بضمتين، وبضم فسكون، وقد فسِّر بـ: الهرم، وعلل في قوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [الحج: ٥]، ولا شك أنه حينئذٍ ليس له منفعة دينية ولا دنيوية، فالموت خيرٌ من [تلك](٢) الحياة.
وأما قول الحنفي:"إنه ليس بمخصوص بالهرم؛ لأنه شامل للعمر الذي فيه البلايا، مثل: كثرة العيال، مع قلة المال، وعدم الصبر والابتذال" = فليس في محله؛ فإنّه يرد عليه قوله:"أن أُرَدَّ".
مع أن المعنى الذي ذكره ليس يُستفاد من الكلام، لا لغةً ولا عرفًا، وكثرة العِيَال مع قلة المال هو من أوصاف الرجال، لكن مع الصبر والشكر في كل حال، وقد يؤخذ عدم الصبر من الجبن، أو من قوله:(وأعوذ بك من فتنة الدنيا) لأنها بظاهره شاملة لكل بَليَّةٍ، ومحنةٍ حِسِّية أو معنويّة، كائنة فيها مانعة عن أمور العقبى.
وقال العسقلاني:"قد فسر عبد الملك بن عُمَيْر أحد رواة هذا الحديث فتنة الدنيا بـ: "فتنة الدجال"، كما وقع عند الإسماعيلي: "قال شعبة:
(١) هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ: "والمانعة". (٢) هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ: "ذلك".