التراثية تأتي نشرتنا لهذا الكتاب النافع «أنشاب الكثُب في أنساب الكتب» للحافظ جلال الدين السيوطي (المتوفى سنة ٩١١ هجرية)، الذي نهض بأعباء تحقيقه باحث مختص في آثار هذا العلامة الموسوعي. وهو كتاب في فن الرواية مما أسماه سلفنا الصالح بالفهارس أو المشيخات أو المعاجم، حيث يسرد العالم أسماء الكتب التي أخذها بطرق التحمّل المعتبرة من القراءة والسماع والإجازة والمناولة، فنجد فيه مرآة صادقة لتقليد من أعرق التقاليد الثقافية الراسخة في حضارتنا العربية الإسلامية، هي قيمة العلم وطرق الأخذ عن الشيوخ من خلال هذا الاستقصاء الباهر لهذه الكتب التي قاربت الثلاثة آلاف كتاب، وفي إشارة واضحة إلى مدى ما يبلغه الصبر والدأب في طلب العلم لدى أسلافنا.
إن كتاب «أنشاب الكُثُب في أنساب الكتب» هو وثيقة تاريخية بالغة الدلالة على طبيعة التفكير العلمي ومدى الاهتمام بتحصيل المعرفة، وانخراط المجتمع المثقف في نشر المعرفة برجاله ونسائه، حيث نجد أسماء مجموعة من النساء اللواتي أسهمن في نشر العلم وتبليغه العلماء. وقد اقتدى السيوطي في كتابه هذا بجماعة ممن سبقوه، يأتي في مقدّمتهم حافظ عصره الإمام ابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة ٨٥٢ هجرية) صاحب الكتاب المشهور في هذا السياق «المعجم المفهرس»، فقدّم لنا هذا الفهرست الذي يشتمل على جملة مسموعاته وقراءاته ومناولاته وإجازاته، وبلغ عدد الكتب الواردة في هذا السفر النفيس (٢٨١٩) كتابًا؛ افتتحها بصحيح البخاري، واختتمها بقصيدة الفرج للإمام أبي الفضل الأنصاري، مرورًا بمئات الكتب والأجزاء والمسانيد والمجاميع والمشيخات والأمالي، وانتهاء بدواوين بعض الشعراء الذين قلّ أن يشتغل بشعرهم علماء الحديث وفقهاء الشريعة.