أَنَّ النُّطْفَةَ تَبْقَى كَمَا هِيَ نُطْفَةً دُونَ تَغَيُّرٍ أَرْبَعِينَ يَومًا! وَإِنَّمَا الحَالُ الغَالِبُ عَلَيهَا هِيَ هَيئَةُ النُّطْفَةِ، وَكَذَا العَلَقَةُ وَالمُضْغَةُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ لَفْظُ الحَدِيثِ «يُجْمَعُ خَلْقُهُ» فَكُلٌّ مِنْهَا مَرْحَلَةُ جَمْعٍ.
- فِي الحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّفْخَ وَالكِتَابَةَ يَكُونَانِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَكِنَّ الكِتَابَةَ حَقِيقَةً تَكُونُ بَعْدَ قُرَابَةِ الأَرْبَعِينَ يَومًا لِلحَدِيثِ الصَّرِيحِ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيفَةَ بْنِ أَسِيدٍ (١) مَرْفُوعًا «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيلَةً بَعَثَ اللهُ إِلَيهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ؛ وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ
أَجَلُهُ؟ فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ؛ وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ رِزْقُهُ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ؛ وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ؛ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ» (٢).
وَعَلَيهِ فَيَكُونُ تَرْتِيبُ الكِتَابَةُ بَعْدَ النَّفْخِ فِي حَدِيث البَابِ (٣) لَيسَ مِنْ بَابِ التَّرْتِيبِ الزَّمَنِيِّ، وَإِنَّمَا مِنْ بَابِ التَّرْتِيبِ الخَبَرِيِّ؛ وَذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنْ لَا يَنْقَطِعَ سِيَاقُ أَطْوَارِ تَشَكُّلِ الجَنِينِ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ بِرِوَايَتِهِم بِالمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُونَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ المُرَادُ تَرْتِيبِ الإِخْبَارِ فَقَط لَا
(١) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ المُهْمَلَةِ، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيخُ مُلَّا عَلِي القَاري رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (مِرْقَاةُ المَفَاتِيحِ) (٨/ ٣٤٤٩).(٢) مُسْلِمٌ (٢٦٤٥)، وَيُنْظَرُ: (السِّلْسِلَةُ الضَّعِيفَةُ) لِلْأَلْبَانِيِّ تَحْتَ حَدِيثِ (٢٣٢٢).(٣) وَمِثْلُهُ لَفْظُ البُخَارِيِّ (٧٤٥٤) الَّذِي فِيهِ «ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيهِ المَلَكُ؛ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute