حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّتُهُ تَابِعَةً لِمَحَبَّةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا الوجْهِ -أَنَّ الهَوَى هُنَا بِمَعْنَى المَحَبَّةِ- لَا يَبْقَى وَجْهٌ
لِإِنْكَارِ مَتْنِ الحَدِيثِ -مِمَّنْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالفَضْلِ- بِحُجَّةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلهَوَى أَنْ يُوَافِقَ الشَّرْعَ؛ وَأَنَّ الهَوَى مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ دَومًا؛ وَأَنَّ الإِيمَانَ يَكُونُ بِمُخَالَفَةِ الهَوَى بِاتِّبَاعِ الشَّرْعِ! وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ الإِنْكَارِ بِالحَدِيثِ «حُفَّتِ الجَنَّةَ بِالمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» (١)، وَأَيضًا بِحَدِيثِ «وَالمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ» (٢).
قُلْتُ: بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي مَا يَهْوَاهُ وَيُحِبُّهُ المَرْءُ بِطَبْعِهِ مَا يُؤْجَرُ عَلَيهِ -مَعَ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ- كَمَا فِي حَدِيثِ «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» (٣).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَمَتَى نَوَى الْمُؤْمِنُ بِتَنَاوُلِ
شَهَوَاتِهِ الْمُبَاحَةِ التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ؛ كَانَتْ شَهَوَاتُهُ لَهُ طَاعَةً يُثَابُ عَلَيْهَا،
كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: " إِنِّي لَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي" (٤)، يَعْنِي: أَنَّهُ يَنْوِي بِنَوْمِهِ التَّقَوِّي عَلَى الْقِيَامِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَيَحْتَسِبُ ثَوَابَ نَوْمِهِ كَمَا يَحْتَسِبُ ثَوَابَ قِيَامِهِ.
وَكَانَ بَعْضُهُمْ إِذَا تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ شَهَوَاتِهِ الْمُبَاحَةِ وَاسَى مِنْهَا إِخْوَانَهُ، كَمَا
(١) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢٨٢٢) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا.(٢) صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (٢٣٩٦٧) عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيدٍ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٥٤٩).(٣) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٠٠٦) عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا.(٤) وَهُوَ بِتَمَامِهِ «أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيتُ جُزْئِي مِنَ النَّومِ؛ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي؛ فَأَحْتَسِبُ نَومَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَومَتِي». رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٣٤١) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute