وَعَلَى نَهْجِهِم مِن الحُكَّامِ" (١).
وَقَالَ الشَّيخُ ابْنُ عُثَيمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: " الصَّحِيحُ أَنَّ صِفَةَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُعَلَّقَةٌ بِأَوْصَافٍ لَا بِأَعْيَانٍ؛ يَعْنِي: لَيسَ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هُمُ الأَرْبَعَةُ! بَلْ كُلُّ مَن خَلَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ عِلْمًا وَدَعْوَةً وَتَعْلِيمًا؛ هَذَا خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ، وَأَرْشَدُ مَن خَلَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هُمُ الصَّحَابَةُ رُجُوعًا إِلَى حُكْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" (٢).
قُلْتُ: وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا التَّعْمِيمِ مَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ بِأَنَّ «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ -أَو مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ-» -وَقَدْ سَبَقَ-،
وَأَنَّ هَذَا يَحْصُرُ الخِلَافَةَ الرَّاشِدَةَ -قَدَرًا- فِي هَؤُلَاءِ الأَرْبَعَةِ فَقَط رَضِيَ اللهُ عَنْهُم! وَذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الفَتْرَةَ الزَّمَنِيَّةَ لَا تَنْفِي أَنْ يَكُونَ قَدْ يَاتِي بَعْدَهَا مَا هُوَ مِنَ الخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ! وَإِنَّمَا فِيهَا التَّنْصِيصُ -قَدَرًا- عَلَى الرَّشَدِ فِي خِلَافَةِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ المَعْرُوفِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ سَكَتَ» (٣).
(١) جَامِعُ تُرَاثِ العَلَّامَةِ الأَلْبَانِيِّ فِي المَنْهَجِ وَالأَحْدَاثِ الكُبْرَى (١/ ٧٦).(٢) تَفْسِيرُ ابْنِ عُثَيمِينَ لِسُورَةِ الشُّورَى (ص: ٩٢).(٣) حَسَنٌ. مُسْنَدُ أَحْمَدَ (١٨٤٠٦). الصَّحِيحَةُ (٥).وَتَتِمَّةُ الحَدِيثِ "قَالَ حَبِيبٌ: فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي صَحَابَتِهِ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -يَعْنِي عُمَرَ- بَعْدَ الْمُلْكِ الْعَاضِّ وَالْجَبْرِيَّةِ، فَأُدْخِلَ كِتَابِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَسُرَّ بِهِ وَأَعْجَبَهُ".وَتَعَقَّبَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ ذَلِكَ بِقَولِهِ: "وَمِنَ البَعِيدِ عِنْدِي حَمْلُ الحَدِيثِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، لِأَنَّ خِلَافَتَهُ كَانَتْ قَرِيبَةَ العَهْدِ بِالخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ وَلَمْ تَكُنْ بَعْدَ مُلْكَينِ: مُلْكٍ عَاضٍّ وَمُلْكٍ جَبْرِيَّةٍ! وَاللهُ أَعْلَمُ". الصَّحِيحَةُ (١/ ٣٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute