يحذف كثيرا لدليل، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه.
والثاني: أن أما قد التزم معها حذف فعل الشرط وقامت هي مقامه، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافا، و «إن» ليست كذلك.
ويجوز حذف الفاء بعدها إذا كان المقرون بها قولا باقيا ما هو محكي به، كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (١) الأصل: فيقال لهم: أكفرتم (٢) ولا تحذف غالبا دون مقارنة قول إلا في ضرورة كقول الشاعر:
٤١٥٥ - فأمّا القتال لا قتال لديكم ... ولكنّ سيرا في عراض المواكب (٣)
انتهى.
وقد تضمن شرح غالب الفصل المذكور.
وقال الزمخشري (٤): «فائدة «أما» في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب، وأنه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب، ولذلك قال سيبويه (٥) في تفسيره: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وهذا التفسير مدل بفائدتين: بيان كونه توكيدا، وأنه في معنى الشرط» انتهى، ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب وشرح ما لم يذكره في شرح الكافية، فنقول:
أما قوله وأمّا حرف تفصيل مؤوّل بمهما يكن من شيء - فقد ناقشه الشيخ فيه، قال (٦): لا ينبغي أن ينسب إلى ذلك؛ لأن معنى التفصيل ليس بلازم لها، بل قد يجيء حيث لا يفصل تقول: أما زيد فمنطلق، قال: وأما التأويل بـ «مهما» فمن -
(١) سورة آل عمران: ١٠٦. (٢) انظر معاني الفراء (١/ ٢٢٨)، (٣/ ٤٩). (٣) البيت من الطويل وهو للحارث بن خالد المخزومي. الشرح: قوله: «في عراض المواكب» العراض: الشق والناحية. وعراض المواكب: شقها وناحيتها، و «المواكب» جمع موكب، والموكب القوم الركوب على الإبل المزينة، وكذلك جماعة الفرسان. والشاهد فيه: حذف «الفاء» بعد «أما» دون مقارنة قول وذلك في قوله: «لا قتال لديكم» وهو ضرورة، والبيت في المقتضب (٢/ ٦٩)، والمنصف (٣/ ١١٨)، وأمالي الشجري (١/ ٢٨٥، ٢٩٠)، (٢/ ٣٤٨)، وابن يعيش (٧/ ١٣٤)، (٩/ ١٢). (٤) ليس في المفصل وانظر المغني (ص ٥٧). (٥) قال في الكتاب (٤/ ٢٣٥): «وأما «أما» ففيها معنى الجزاء كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من أمره فمنطلق، ألا ترى أن الفاء لازمة لها أبدا». (٦) انظر التذييل (خ) جـ ٥ ورقة ١٩٨، وقد نقله عنه بتصرف.