وحرف تنفيس لتقليل وقوعه كقولك: البخيل قد يعطي، والجواد قد يمنع.
الثالث: أن تكون حرف تحقيق فتدخل على كل من الماضي والمضارع لتقرير معناه ونفي الشك عنه، فدخولها على الماضي كثير كقوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (١) وقوله تعالى [٥/ ١٨٨]: وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ (٢)، وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ (٣)، ومن دخولها على المضارع قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ (٤)، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ (٥) ومنه قول الشاعر:
٤١١٥ - قد أترك القرن مصفرّا أنامله ... كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (٦)
وهو في علم البيان من التقليل على طريق التهكم.
ولا يفصل بين «قد» والفعل إلا بالقسم كقول الشاعر:
٤١١٦ - أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المظلوم فينا بسارق
أقرّ بما يأته المرء إنّه ... رأى القطع خيرا من فضيحة عاشق (٧)
وقول الآخر:
٤١١٧ - لقد أرسلوني في الكواعب راغبا ... فقد وأبي راعي الكواكب أفرس (٨)
أراد: فقد أفرس راعي الكواكب وحقّ أبي، ويجوز أن يكون أضاف الأب إلى «راعي» وهو يعني نفسه وقد يغني عن الفعل بعدها دليل فيحذف كما يحذف بعد «لمّا» ويوقف عليها كقولك: أزف الشّخوص (٩) وكأن قد، قال النابغة: -
(١) سورة المجادلة: ١. (٢) سورة الصافات: ٧٥. (٣) سورة طه: ١١٥. (٤) سورة البقرة: ١٤٤. (٥) سورة الأحزاب: ١٨. (٦) هذا البيت من البسيط، و «مجّت» صبّ عليها كما يصبّ الماء من الغم، والفرصاد: ماء التوت أو التوت نفسه، يقول: ربما تركت القرن مقتولا قد اصفرت أنامله لما خرجت منه الروح، وأن الدم الذي على ثيابه بمنزلة ماء التوت. والشاهد فيه: مجيء «قد» حرف تحقيق داخلة على المضارع. والبيت في الكتاب (٤/ ٢٢٤) والمقتضب (١/ ١٨١)، وأمالي الشجري (١/ ٢١٢) وابن يعيش (٨/ ١٤٧). (٧) هذان البيتان من الطويل، و «أوطئت» يروى «وطّئت». والشاهد فيه: الفصل بين «قد» والفعل بالقسم، وشطر البيت في الهمع (١/ ٢٤٤٨)، والبيتان في الدرر (١/ ٢٠٦). والبيت الأول في المغني (ص ١٧١، ٣٩٢)، والبيتان في شرح شواهده: (ص ٤٨٨، ٤٨٩). (٨) هذا البيت من الطويل. والشاهد فيه: الفصل بين «قد» والفعل بالقسم. (٩) الشخوص: السير من بلد إلى بلد. انظر اللسان (شخص).