سيبويه: فإذا انقضى الكلام ثم جئت بـ «ثمّ» فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت، وكذلك «الواو» و «الفاء»، إلا أنه يجوز النصب بالفاء والواو، وبلغنا أن بعضهم قرأ (١): (يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذّب من يشآء).
وروي بالأوجه الثلاثة «ونأخذ» من قول الشاعر:
٣٨٩٦ - فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع النّاس والبلد الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجبّ الظّهر ليس له سنام (٢)
وجاز النصب بعد «الفاء» و «الواو» إثر الجزاء؛ لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام.
قال: وأنشد الفراء في كتاب «المعاني»(٣):
٣٨٩٧ - فإن يهلك النّعمان تعر مطيّه ... وتخبأ في جوف العياب قطوعها
وتنحط حصان آخر اللّيل نحطة ... تقضّب منها أو تكاد ضلوعها (٤)
فنصب «تخبأ» وجزم «تنحط». -
(١) هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. انظر: الإتحاف (ص ١٦٧)، والبحر المحيط (٢/ ٣٦٠). (٢) هذان البيتان من الوافر وهما للنابغة الذبياني، ديوانه (ص ١٠٥). الشرح: قوله: أبو قابوس: هو كنية النعمان، وقابوس معرب كاووس كطاووس: اسم أحد ملوك الفرس، وقوله: ربيع الناس والبلد الحرام: يريد أنه كان كالربيع في الخصب لمجتديه، وكالشهر الحرام لجاره أي لا يوصل إلى من أجاره كما لا يوصل في الشهر الحرام إلى أحد، وقوله بذناب عيش: ذناب كل شيء - بكسر الذال - عقبه وما يأتي في أواخره، وأجب الظهر: مقطوع الظهر كأنه جمل قطع سنامه، ويقال: بعير أجب وناقة جباء: إذا كان قد قطع سنامها، والسنام: حدبة البعير. والشاهد: في «ونأخذ» فإنه يجوز فيه الرفع على الاستئناف، والنصب بتقدير «أن» والجزم بالعطف على «يهلك»، ويروى «ونمسك بعده» وهي رواية الديوان، والبيتان في معاني الفراء (٣/ ٢٤)، والأشموني (٤/ ٢٤)، والكتاب (١/ ١٩٦) (هارون)، والمقتضب (٢/ ١٧٩)، والإنصاف (ص ١٣٤)، وابن يعيش (٣/ ٥٧٩)، والخزانة (٤/ ٩٥). (٣) انظر: معاني القرآن (١/ ٨٧). (٤) هذان البيتان من الطويل قالهما النابغة الذبياني، ديوانه (ص ١٠٧) من قصيدة يمدح بها النعمان بن الحارث الأصغر الغساني، وكان قد خرج إلى بعض متنزهاته. الشرح: العياب: جمع عيبة وهو ما يوضع فيه الثياب، والقطوع: أداة الرحل وهو جمع قطع كالطنفسة ونحوها، يقول: إن هلك النعمان ترك كل وافد الرحلة ولم يستعمل مطيته وخبأ في جوف العياب الطنفسة -