الناصبة بعد «واو» الجمع و «فاء» الجواب في غير المواضع المذكورة وذلك على ضربين: أحدهما جائز في الاختيار وسعة الكلام، والآخر مخصوص بالضرورة، فيجوز في الاختيار إضمار «أن» الناصبة بعد «الواو» و «الفاء» الواقعتين بين مجزومي أداة شرط أو بعدهما، أو بعد حصر بـ «إنّما».
مثال الأول: إن تأتني فتحدثني أكرمك، فتنصب ما بعد «الفاء»؛ لأن الشرط غير واجب فيجوز أن يلحق بالنفي، قال سيبويه (١): وسألت الخليل عن قوله: إن تأتني فتحدثني وإن تأتني وتحدثني أحدثك فقال: هذا يجوز والجزم الوجه، ووجه نصبه أنه حمل على الاسم كأنه أراد أن يقول: إن يكن منك إتيان فحديث أحدثك، فلما قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى «أن»؛ لأن الفعل معها اسم، وإنما كان الوجه [٥/ ١٢٩] الجزم؛ لأنه إذا نصب كان المعنى معنى الجزم فيما أراد من الحديث، وأنشد الشيخ (٢) رحمة الله تعالى عليه:
٣٨٨٥ - ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه ... ولم يخش ظلما ما أقام ولا هضما (٣)
وأما قول زهير:
٣٨٨٦ - ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق (٤)
فنصب «يثبت» فيه؛ لأن الفعل المتقدم على «الفاء» منفي ولجواب النفي النصب -
(١) انظر: الكتاب (٣/ ٨٨) وقد نقله عنه بتصرف يسير. (٢) أي العلامة ابن مالك، أنشده في شرح العمدة (ص ٢٥١). (٣) هذا البيت من الطويل ولم أهتد إلى قائله. الشرح: قوله: نؤوه: من آواه يؤويه إيواء: إذا أنزله به، والهضم: الظلم من قولهم: رجل هضم ومهتضم، ويروى: «ولا ضيما» وهو بمعناه. والشاهد: في «ويخضع» حيث جاء بالنصب بتقدير «أن»، والعطف على الشرط قبل الجواب بالفاء أو الواو، ويجوز فيه الوجهان: الجزم عطفا على الشرط، والنصب بإضمار «أن» وههنا تعين النصب للوزن. والبيت في المغني (ص ٥٦٦)، وشرح شذور الذهب (٣٥١)، والعيني (٤/ ٣٣٤)، وشرح التصريح (٢/ ٢٥١). (٤) هذا البيت من الطويل نسب لكعب بن زهير في الكتاب وليس في ديوانه، قال ابن السيرافي: يريد من لا يضع رجله إذا مشى في موضع يتأمله قبل أن يضعها يزلق، وهذا على طريق المثل، يريد: من لم يتأمل ما يريد أن يفعله قبل أن يفعله لم يأمن أن يقع في أمر يكون فيه عطبه. والشاهد فيه: نصب «يثبتها» بإضمار «أن» بعد «الفاء» على جواب النفي. والبيت في الكتاب (٣/ ٨٩)، والمقتضب (٢/ ٢٢، ٦٥)، وشرح العمدة (ص ٢٥١)، والتذييل (٦/ ٦٦٣)، وابن السيرافي (٢/ ١١٩).